نيران محرجة على « قاسيون »؟ – عيسى الشعيبي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 7 mai 2013

عندما اهتزت دمشق ومحيطها لنحو ساعة من فجر يوم الأحد الماضي، وتطايرت الشهب النارية من جبل قاسيون لتحيل ليل أقدم عاصمة في التاريخ إلى ما يشبه النهار؛ أحسب أن كل من أفاق من نومه مذعوراً لشدة دوي الانفجارات المتلاحقة، راح يضرب أخماساً بأسداس، ويسأل أقرب الناس في جواره: ما الذي يجري في الحصن الحصين للنظام؟ هل حدث انشقاق، أم فعلها الثوار وصعدوا إلى الجبل، أم أن هناك أمراً آخر، كعدوان إسرائيلي جديد، أو غارة أميركية إيفاءً لوعد باراك أوباما بالقصاص؟
لم يكن في وسع النظام المنهمك في حملة التطهير العرقية الجارية في بانياس، أن ينكر هذه المرة ما تجاهله قبل يوم واحد في المطار (قذيفة هاون أصابت خزان وقود!)، وإن ظل في وسعه المكابرة والتقليل من فداحة الغارة الجديدة؛ إذ قالت قناة المنار التي نشرت صوراً حصرية من عين المكان، أن الأمر يتعلق بمزرعة دواجن، قبل أن يعاود الإعلام الرسمي الاعتراف مكرها بأن إسرائيل هي بعينها من قامت بهذا العدوان، خدمة لجبهة النصرة، ودعما لأخواتها من عصابات التكفير والإرهاب.
والحق أن النظام الذي لا يرى إلا ما يحب أن يرى، قد قرأ الغارة على أنها إحدى تجليات نظرية المؤامرة الكونية، واكتفى بتحليل الموقف كمراقب سياسي يديه في ماء فاتر. لكن السؤال الأهم هو: كيف قارب الثوار هذا العدوان السافر على بلادهم، لاسيما وأن المعتدي هو إسرائيل ذاتها، وليس حلف « الناتو » كشر لا بد منه؟ كيف لهم أن يتخلصوا من هذا الحرج السياسي، وأن يوازنوا بين مشاعرهم المختلطة وهم يرون عدوهم التاريخي يوقع هذه الضربة القوية بالنظام الذي يحاربونه، فيما هم أول المستفيدين؟
لقد كان الثوار الممسكون بأطراف دمشق باقتدار، يعلمون أن الجيش الذي سبق أن هتف المتظاهرون ضده قبل نحو عامين تحت شعار صادم « الجيش السوري خائن »، كان يواصل سحب أرتاله من جبهة الجولان استعدادا للمعركة الكبرى، ويراكم الأسلحة الصاروخية في بطن جبل قاسيون، لتدمير العاصمة إن تمكن منها المقاتلون البواسل، قبل أن ينكفئ الأسد نحو ملاذه الأخير. فهل من حق الثوار أن يبتهجوا، ولو في سرهم، حين يرون مرابض المدفعية الصاروخية التي تقصفهم على مدار الساعة، وقد أصبحت أثراً بعد عين؟
غير أن هذه الإشكالية الوطنية والأخلاقية لم تدم سوى لساعات، وذلك حين بدا أن الدخول الإسرائيلي على خط الأزمة كان وفق حسابات ذاتية استراتيجية بعيدة المدى، وليس كرمى لعيون الثوار؛ فيما بدا النظام الذي كان يباهي بالانتصار على أطفال بانياس المذبوحين بحد السكين، وكأنه قد عثر على مادة دعائية مناسبة، لصرف أنظار العالم عن مجازره البربرية المروعة، وحشو ماكينته الإعلامية المتهافتة بمادة مواتية لتعزيز خطابه السقيم عن مؤامرة كونية تستهدف بلد الممانعة العظيم.
والحق أن النظام الذي استأسد على شعبه طويلاً، كان من الممكن له أن يقلب الطاولة على رؤوس الثوار، وأن يعيد خلط الأوراق لو أنه بادر إلى الرد على العدوان الإسرائيلي، ولو بإطلاق صاروخ « سكود » واحد على الهضبة المحتلة. إلا أنه عوضاً عن ذلك، رد بتشديد غاراته الجوية على ريف دمشق، وواصل حربه اليائسة، فيما صمت حليفه حزب الله المنهمك في جبهة القصير عن الكلام، ولم تفِ إيران بتعهداتها المعلنة لحليفها الاستراتيجي، بينما غابت روسيا عن المشهد وكأن شيئاً لم يكن.
وإذا كان بعض المعارضين السوريين، ممن يبحثون عن الاستقامة الذاتية والطهرانية السياسية، وهو حق لهم، قد شجبوا الغارة ودانوا في الوقت ذاته النظام العاجز عن حماية البلاد، فإن المواطنين العاديين في الشام لم ينشغلوا كثيراً بهوية من قام بتدمير مخازن الصواريخ التي دمرت بيوتهم ومساجدهم ومستشفياتهم، بل راحوا يكبرون ويهللون من الشرفات ابتهاجاً بضرب القتلة للقاتلين، وكأن السماء هي التي انتقمت لهم من النظام الذي يخوض حربه تحت شعار « الأسد أو إحراق البلد ». ويا لهذا الموقف المحرج فعلا من مفارقات فارقات.