هاشم الشعباني: شاعر عربستان وشهيدها- خالد الحروب

Article  •  Publié sur Souria Houria le 11 mars 2014

كلما كتب الأحوازيون شعراً تحسس غلاظ الحرس الثوري الإيراني مسدساتهم، في استنساخ مخلص لسيرة غوبلز الهتلري مع مثقفي ألمانيا خلال الحقبة النازية.
وكلما أنتج عرب الأحواز شعر غزل يغني للحرية والكرامة، توترت طهران وملاليها وأرسلوا مصفحات جديدة لتقصف أبيات الشعر وتغتال القوافي.
قبل خمسة أسابيع وفي مكان سري لم يُعلن عنه اعدم ملالي طهران الشاعر الأحوازي الشاب هاشم الشعباني وهو لم يتجاوز اثنين وثلاثين ربيعا، ومعه رفيقه الحقوقي والمثقف هادي رشيدي.
هاشم الغارق في الحلم بالانعتاق وتحرير مساحات الحرية للناس في عربستان كتب بدمه آخر قصيدة من سجنه.
كلماته الحرة، بالعربية والفارسية، تطارد قاتليه وتزرع في هضاب الأحواز وعلى ضفاف نهر كارون ورداً أحمر.
هاشم الشعباني واحد من شعب عربي كبير يعيش في منطقة شرق الخليج العربي، اقل التقديرات تقول إن عددهم خمسة ملايين وبعضها يصل إلى ١٢ مليوناً.
معنى ذلك وباعتماد أقل التقديرات فإن سكان عربستان يفوق عددهم مجموع سكان دول الخليج مجتمعة باستثناء السعودية.
وكما تختلف التقديرات في السكان تختلف في المساحة بحسب أي المناطق تُعتبر من ضمن عربستان.
التقديرات الإيرانية الرسمية والتي تقلل مساحة المنطقة إلى أقل ما يمكن تقول إنها لا تتجاوز ٦٥ ألف كيلومتر مربع (أي ضعف مساحة الكويت وقطر والبحرين مجتمعة).
بينما تقديرات الأحوازيين أنفسهم تضم مناطق أخرى وتصل بالرقم إلى اكثر من ثلاثمائة كيلومتر مربع، أي قريبا من مساحة اليمن.
حديث الأرقام هذا يخبرنا بضخامة قضية الأحواز، ويخبرنا بنجاح ملالي إيران في طمسها وإبقائها في الظل، مقابل تسليط الضوء على « المظالم » والقضايا التي تريد طهران إشعالها في الجوار ثم استثمارها لمد النفوذ والتأثير.
تاريخياً، امتدت مملكة عربستان مستقلة في شرق الخليج على مدار عدة قرون وتم القضاء عليها سنة ١٩٢٥ حيث تم ضمها إلى إيران، وغير اسمها إلى محافظة خوزستان.
والمفارقة التاريخية أن اسم عربستان كانت قد أطلقته الدولة الصفوية على المنطقة معترفة بشكل مباشر بأنها منطقة عربية وسكانها عرب مختلفون قوميا عن بقية شعوب إيران الفارسية.
هاشم الشعباني ورفيقه هادي الرشيدي ليسا وحيدين في قافلة المُغتالين على يد قضاة جدانوف في طهران الذين أصدروا الحكم مشفوعا بتهم « الفساد في الأرض » ومعارضة « قدسية ولاية الفقيه ».
هما أحدث الأسماء والدم الطازج المُضاف لقائمة طويلة ضمت عشرات من المثقفين والشعراء والكتاب الأحوازيين الذين يطالبون بحرية شعبهم، وبالحقوق التي تقرها شرائع البشر للناس والأفراد.
ليس مهما بالنسبة لملالي طهران أن ثلث الأحوازيين إلى نصفهم شيعة، المهم والمقلق والمرفوض أنهم عرب، ولهذا وبسببه تنفلت آليات التنكيل والقمع والاضطهاد.
تستثمر الاستراتيجية الإيرانية الفارسية أوضاع الشيعة العرب وتزعم الحرص على مصالحهم وتنطلق لـ « الدفاع » عنها في كل أرجاء المنطقة، فتثير الاضطرابات ونزعات التقسيم، بينما هي تقتل شيعتها العرب وتدوس عليهم وعلى حقوقهم.
إيران الغارقة في القومية الفارسية حتى الثمالة توظف الشعاراتية الإسلاموية وحتى الشيعية لتخترق المنطقة العربية، مرة دفاعاً عن « مرقد السيدة زينب » في سورية، ومرة في البحرين، وثالثة في المنطقة الشرقية في السعودية، مستغلة عدم تحقق المواطنة والحرية والديموقراطية في الخليج العربي ومعاناة الشيعة العرب من عدم المساواة.
لكن ذلك التدخل لا علاقة له بالدين ولا بالتشيع ولا بالانتصار للمظلومين، جوهره الحقيقي قومي فارسي وتدخلي وحنين إمبراطوري خفي لمد السيطرة والنفوذ على منطقة الخليج والمشرق العربي.
في ذروة الثورة الخمينية وعندما كان بريقها ما زال في بدايته متلحفة بالإسلام ومقدمة الخميني كإمام للمسلمين في أصقاع الأرض كافة، طرح أحدهم أن يُسمى الخليج المختلف على تسميته بـ « الخليج الإسلامي » وذلك فضاً للخلاف التاريخي بين لفظتي الخليج العربي والخليج الفارسي.
رفضت إيران بقوة وتمسكت بوصف « الخليج الفارسي ». من حق إيران أن تكون فارسية وأن تكون ما تريد، لكن ليس من حقها فرض قوميتها على ملايين العرب في عربستان (خوزستان)، كما لم يكن من حق العراق أن يفرض القومية العربية على أكراده، أو عرب المغرب العربي على أمازيغه.
وليس من حق إيران أيضا أن تتدثر بالدين وشعاراته لتمرر مشروعا قوميا صارخا يحبل بأحلام النفوذ والسيطرة.
تتمدد إيران قوميا واستراتيجيا في قلب المنطقة العربية ويتحمل المسؤولية التاريخية أولئك الذين فاتهم درس ابن المقفع (الفارسي المسلم) في قصة كليلة ودمنة ومن أُكل يوم أكل الثور الأبيض.
الذين يقفون إلى جانب إيران في سورية ولبنان والمنطقة كلها يوفرون لها جسر العبور الذي ما أن تقطعه فإنها لن تغادر إلى زمن طويل قادم.
تعتمد القومية الإيرانية في انطلاقتها نحو قلب المنطقة العربية على رافعتين إيديولوجيتين هما شعار الدين وشعار المقاومة.
كل من الشعارين وعند التدقيق القريب والتمحيص يتبدى خاويا بحق، لكن للاثنين طاقة هائلة على الحشد والتأثير والاختراق.
إسلاموية إيران هي خليط من الشيعية السياسية (وليس التعبدية التي من حق أي إنسان أن يتمثلها) والقومية الفارسية التي حورت من الشيعية التعبدية إلى إيديولوجيا سياسية معادية للعرب، ومنتجة لإسلام فارسي يتمايز عن الإسلام العربي.
تتمدد القومية الإيرانية الفارسية بكل قوة في ظرف تاريخي تعاني فيه القومية العربية من ضياع وتمزق كبير ولا تستطيع مجابهة الهجوم القومي الفارسي العريض المُتستر تحت شعاري الدين والمقاومة.
والبديل العربي الذاتي الذي اشتغل داخليا بدوره على إنهاك القومية العربية، الإسلاموية الحركية العربية والقوى العربية المحافظة، يعاني كل منهما من ضعفه الداخلي وهشاشته التي لا تؤهله للوقوف في وجه إيران وتمددها.
هاشم الشعباني الوطني الأحوازي يذكرنا بموته بجذر المشكلة مع إيران. هاشم يعتز بكونه إيرانيا لكنه يفرق بين الإيرانية والفارسية، ليس له ولاء إلا للأحواز وعربستان.
قاتل بضراوة ضد صدام حسين خلال الحرب العراقية الإيرانية، ثم عارض ملالي إيران ومنطق ولاية الفقيه سياسيا وثقافيا وحقوقيا.
لا يمكن لأحد أن يتهمه بـ « العمالة » والولاء للخارج.
كان ولاؤه وانغماسه للداخل، للأحواز التي ذاب عشقا فيها ونطق بجمالها في أشعاره، لنهر كارون الذي تغنى به، لزوجته وطفله، لأناسه الذين رقوه إلى مرتبة قديس ولما يزل في الربيع الأول من عمره.
من سجنه وقبل أن يتم إعدامه هرّب هاشم الشعباني آخر قصائده.
كتب يقول: « سبعة أسباب تكفي لأموت. لسبعة أيام وهم يصرخون بي: أنت تشن حرباً على الإله! في السبت قالوا: لأنك عربي. في الأحد قالوا: حسناً، إنك من الأحواز. في الإثنين: تذكر أنك إيراني. في الثلاثاء: أنت سخرت من الثورة المقدسة. في الأربعاء: ألم ترفع صوتك على الآخرين. في الخميس: أنت شاعر ومغنٍ. في الجمعة: أنت رجل، ألا يكفي كل هذا لتموت؟ »