هل فات « أوان التسامح »؟ -محمد أبو رمان

Article  •  Publié sur Souria Houria le 16 juillet 2012

لا تملك أن تشاهد أكثر من خمس دقائق، أو أن تقرأ أكثر من خمسة أسطر عما حدث في تريمسة في ريف حماة! جثث الرجال والنساء المتفحمة في المساجد والمنازل، والأطفال تحت أنقاض الدمار.. مئات القتلى قضوا في هذه المجزرة البشعة المرعبة.
ما حدث أصبح مشهداً طبيعياً مكرّراً مكثّفاً لأحداث يومية! لم نعد نستطيع الحياة مع هذا المشهد، فهو يفوق خيال أعتى مخرجي أفلام الرعب والدمار! ما يحدث لا يصدّق! كيف لكم أن تتحمّلوا غناء طفل إلى جانب أخته الصغيرة التي قضت بقصف بربري، أو طفل صغير آخر يناشد والده الشهيد أن يستيقظ، كي يعودا إلى المنزل معاً! أو أب يحمل رأس ابنه متفجّراً بين ذراعيه! أو أم تقف بين جثث فتياتها القاصرات المغتصبات، بعد أن أجهز عليهم الشبيحة إذلالاً وتعذيباً وقتلاً!
بقينا إلى وقت قريب نتذكر مجازر دير ياسين والطفل محمد الدرّة ولؤي صبح، حتى تمكّن النظام السوري من أن ينسينا ذلك، وتفوق على إسرائيل وكل الأنظمة النازية والفاشية والدموية في العالم، فأصبح لدينا قصص أكثر رعباً وألماً لآلاف الأطفال السوريين وآلاف الفتيات والنساء، حتى أصبح القتلى رقماً يومياً في وكالات الأنباء العالمية!
من قال إنّه لا توجد هنالك مؤامرة على سورية واهم ومخطئ. فهي مؤامرة كونية، تشترك فيها الدول الغربية وروسيا وإيران، لكنها ليست على الأسد وزمرته، بل على الشعب. هي مؤامرة تتمثّل بالصمت والتباطؤ والتواطؤ الغربي للإجهاز على نظام متهالك مفكك متهاوٍ، ينتظر رصاصة الرحمة!
كان تدخل محدود سابقاً كفيلاً بتوفير شلالات من الدماء والعذابات والأنّات والجثث المتفحمة والمغتصبة والمقطعة، كان كفيلا بإنقاذ حياة مئات الأطفال والآباء. لكن من الواضح أنّ الأجندة الدولية والغربية لا تعرف سوى لغة المصالح وأمن إسرائيل أولاً، وهذه وتلك يخدمها انتظار النظام يحتضر وحده، وينهك نفسه بنفسه، بينما تتربّص إرهاصات الحرب الأهلية بسورية لتدخل حرباً أهلية داخلية لا تخرج منها إلاّ بعد سنوات عجاف.
أخطر ما في المذابح الحالية، منذ مجزرة الحولة، أنّها تعيد إنتاج الصراع الداخلي لقولبته في الإطار الطائفي. فمن يقوم بهذه المذابح والمجازر هم شبيحة علويون، والتطور الأكبر في مجزرة تريمسة أنّها تمت بتنسيق كامل بين القرى العلوية المجاورة والجيش السوري، ما يكشف بوضوح خطة النظام بضمان تأييد العلويين وعدم تخليهم عنه في وقت من الأوقات.
ما نخشاه، الآن، أنّنا تجاوزنا الخط الفاصل الذي كنا نستطيع أن نقول فيه للسنّة: تسامحوا! وأن نطالبهم بمنح العلويين ضمانات كاملة. التسامح اليوم يحتاج إلى سمو روحاني وإنساني هائل، إلى خطاب إنساني استثنائي، بعد كل هذه الأهوال والمجازر الطائفية!
كيف أمكن جرّ المجتمع العلوي إلى هذا المسار الدموي الكارثي وسط المحيط السني؟.. من يقرأ يوميات الثورة السورية « في مرمى النيران »، للأديبة السورية العلوية المبدعة، سمر يزبك، يدرك تماماً كيف نجح النظام في تأجيج مخاوف العلويين واختراع أكاذيب عن مصيرهم لوضعهم أمام خيار وحيد: إما أن نقتلهم أو يقتلوننا!
النظام يتآكل، يسقط، لن يستمر إلاّ أشهراً معدودات، لكن السؤال اليوم: كيف نتجنّب نزيفاً آخر من الدماء بعد الخلاص من الطاغية؟ كيف ننقذ سورية من براثن حرب طائفية تكاد تختطف السلم الأهلي والمجتمعي وتدمّر أوصال التسامح؟ كيف نحبط مخطط النظام الذي نجح باستدراج شرائح من العلويين إلى هذا النفق المظلم، فلا نجد غداً وحوشاً من الطرف الآخر لتنتقم؟!

http://www.alghad.com/index.php/afkar_wamawaqef2/article/30062/%D9%87%D9%84-%D9%81%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B3%D8%A7%D9%85%D8%AD%D8%9F.html