هل ينقذ « داعش » الأسد؟ – محمد أبو رمان

Article  •  Publié sur Souria Houria le 26 août 2014

لعلّ تصريحات وزير الخارجية السوري، وليد المعلّم (أمس)، باستعداد سورية للتعاون إقليمياً ودولياً في جهود مكافحة الإرهاب، تعكس ارتفاع منسوب الرهان لدى بشار الأسد وإيران على النجاح في إقناع العالم بأهمية وجوده.
هذا السيناريو هو الذي كان الأسد يدفع نحوه منذ بداية الأزمة السورية؛ بالإصرار على تعريف ما يقوم به من جرائم وفظائع ضد الإنسانية بوصفها « حرباً على الإرهاب ». وهي الدعاية التي لم تشترها الدول الغربية في حينه، بينما أصبح صعود تنظيم « داعش » بالنسبة لها اليوم، أمراً مقلقاً. ويعترف المسؤولون الأميركيون بأنّ هذا التنظيم يمثّل تحديّاً خطراً!
ما يعزّز الطموح السوري بالاقتراب من هذا السيناريو، الذي يمثّل للأسد « طوق النجاة »، إدراك المسؤولين الأميركيين واعترافهم بأنّ هزيمة « داعش » لا يمكن أن تتم في الساحة العراقية بمعزل عن الساحة السورية، ما يعني أنّ الولايات المتحدة تحتاج إلى شريك استراتيجي قوي، وهو في ضوء ضعف المعارضة المسلّحة وتغلب الاتجاه الإسلامي-السلفي عليها يتمثّل اليوم في نظام الأسد، سواء كانت هذه الشراكة بصيغة مباشرة أو غير مباشرة.
جزء من التحليل السابق المرتبط بالهواجس والقلق الغربي من صعود « داعش »، وتأثير ذلك على الأمن الإقليمي والدولي وتغيير المعادلات والرهانات والحسابات صحيح، لكن البناء عليه للوصول إلى ترجيح سيناريو العودة إلى الأسد فيه قفز على جزء أساسي من المعادلة والرؤية الغربية والأميركية، يتجاوز في أهميته المعطى السابق، ويتمثّل في القلق من أن يصبح « داعش » هو صوت السُنّة في المنطقة، الأمر الذي عبّر عنه بعض الأميركيين بمصطلح « سنستان ».
القناعة الأميركية، أيضاً، تتمثّل في أنّ هزيمة « داعش » ودحره لن يتم عبر ضربات عسكرية وأمنية أميركية، ولا الانتصار للمعسكر الآخر (الإيراني-السوري)، بل عبر فك الارتباط بين هذا التنظيم والحاضنة السُنّية السورية والعراقية، وبأيدي السُنّة أنفسهم؛ وإلاّ فإنّ أي انحياز أميركي في المعركة الداخلية المسلّحة في المنطقة، المفتوحة على ثلاث دول رئيسة، وتهدد الجوار بأسره، سيؤدي إلى تفجير النزوع الراديكالي السُنّي وتأجيجه.
وإذا كان الوضع العراقي يمثل نموذجاً ومختبراً مهماً للتحولات في السياسات الأميركية والغربية، فإنّ مفتاح الحل، الذي مثّل ركيزة التعاون الدولي والإقليمي، تمثل في التخلّص من نوري المالكي، بناء على شروط المجتمع السُنّي والأنظمة العربية، ودفع رئيس الوزراء الجديد، حيدر العبادي، إلى تشكيل حكومة وطنية تعيد إدماج السُنّة في اللعبة السياسية.
بالضرورة، مهمة العبادي ليست سهلة، بل معقدة ومتأخرة كثيراً، فيما قد تتساهل إيران في التضحية بالمالكي، لكنّها لن تقبل بإضعاف نفوذها الطاغي على النظام العراقي، ولا من تخفيف حضور الميليشيات الشيعية، ما يضع معضلات وعقبات كبيرة وهائلة أمام خروج العراق من النفق الحالي ومن شبح التقسيم والحرب الأهلية.
إذا كان ثمّة إلهام للمجتمع الدولي والقوى الإقليمية من « الحل العراقي » في سورية، فلا يتمثّل ذلك في التحالف مع بشار الأسد، بل بإقناع حلفائه بضرورة التخلص منه، بوصفه أساس المشكلة. وأن التخلص منه هو مفتاح الحل لإقناع القوى السُنّية المعتدلة والعلمانية المعادية لـ »داعش » بضرورة الجلوس إلى طاولة الحوار، والتفاهم مع الأطراف الأخرى في النظام السوري على المرحلة الانتقالية، وإنهاء الحرب الداخلية الحالية الطاحنة.
لا يوجد أيّ أفق أو حل دولي وإقليمي في التحالف مع الأسد، فذلك يعني خسارة الطرف الآخر وتأجيج الحرب الطائفية الإقليمية، ومنح « داعش » فرصة ذهبية لاختطاف المجتمعات العربية. بينما تبدو الحلول السياسية، بالرغم من الإرهاصات الأولية في العراق، مستعصية ومعقدة، لكنها المخرج الوحيد لتحجيم القلق من حروب داخلية وأهلية تضع الأمن الإقليمي بأسره في مهب الريح.