. والدور على رستم غزالي! صبحي حديدي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 28 octobre 2013

اللواء أنور كامل جامع (واسم السجع الأشهر: جامع جامع)، قُتل مؤخراً في مدينة دير الزور، حيث كان يتولى رئاسة فرع المخابرات العسكرية هناك، ويشرف على الطرائق الأقذر والأشدّ همجية في قمع الانتفاضة؛ فضلاً عن سلسلة من المهامّ غير المعلَنة، بينها تفتيت وحدة الصفّ الوطني المعارض في صفوف العشائر والأكراد. مراسم تشييع جامع حضرها اللواء عصام زهر الدين، قائد اللواء 105؛ المسؤول عن مجازر بابا عمرو، صاحب الشاربين المعقوفين، وحامل اللقب الذي اختارته له مواقع التواصل الاجتماعي: غرندايزر! زين الدين هذا ودّع زميله في خدمة النظام، بالعبارة التالية: ‘وحياة ترابك الغالي لأمحي دير الزور وإزرعها بطاطا’؛ هكذا، دون أن يرفّ له جفن أو يرتدع لسان، وليس دون تزامن لفظي ودلالي اقترن بجيش النظام طيلة عقود، بين البوط والبطاطا!
وفي مطلع الانتفاضة السورية كان النظام، ممثلاً في بشار الأسد وشقيقه ماهر، قد اعتبر زهر الدين موضوع صفقة يمكن إبرامها، حتى من طرف واحد، مع أبناء السويداء وجبل العرب عموماً؛ فنُقل صاحبنا من قائد كتيبة، متواضع مغمور وراضٍ قنوع، إلى قائد لواء في الحرس الجمهوري. وكان طبيعياً، بعدئذ، أن يُرسل إلى المواقع الأكثر سخونة في حرب النظام ضدّ الشعب، فمرّ بمجازر دير الزور والتلّ ودرعا وحلب، قبل أن تستقرّ شهرته في أفانين البطش بمدينة حمص.
أمّا جامع، فإنّ ولاءه المطلق للنظام، وتاريخه الحافل بأصناف المخازي كافة، خاصة فيلبنان طيلة ربع قرن، ثمّ في سورية بعد سنة 2005، حين كان ضمن لائحة الضباط السوريين المتهمين بالتورّط في اغتيال رفيق الحريري؛ فإنه كان من ‘عظام الرقبة’ كما في التعبير الشعبي الشائع، وتحصيل حاصل لا يستوجب صفقة مع أحد. لهذا، أسوة برفيقه في سلاح الاستبداد، رُفّع إلى رتبة لواء، تقديراً للخدمات (الدموية، الوحشية، البربرية…) التي أسداها للنظام في دير الزور، دون المرور بالحدّ الأدنى من فترة الخدمة الضرورية؛ وبعد مقتله كان طبيعياً أن يرُفّع أعلى فأعلى: إلى رتبة عماد شرف.
أمثال زهر الدين وجامع يمثّلون نمطاً من ضباط النظام، ممّن يحتلون الصفّ الثاني في سلّم المسؤوليات العسكرية والأمنية؛ لكنّ مقادير ولاءهم المطلق للنظام، وطاعتهم العمياء في تنفيذ سياساته وأوامره، تتفوّق غالباً على ضبّاط الصفّ الأوّل (أمثال ذو الهمة شاليش، حافظ مخلوف، جميل حسن، علي مملوك…). وكان السوريون قد تعرّفوا على نموذج ثالث خاصّ من هؤلاء، هو العقيد علي نظير خزام، ابن بلدة القرداحة، ضابط المهامّ الخاصة في الحرس الجمهوري، وأحد مساعدي ماهر الأسد المقرّبين.
وهذا رجل امتزجت في نفسه هستيريا الولاء لنظام آل الأسد، بحميّة الدفاع عن ‘مولانا أمير النحل’ و’خالق الكرة الأرضية’! وقبل مقتله، في دير الزور أيضاً كما رجحت معظم التقارير، انتشر على الـ’يوتيوب’ شريط يلتقطه في أحد أعراس قرى الساحل، مخاطباً الناس هكذا: ‘وحقّ أمير المؤمنين أنتم تقاتلون منذ 1400 سنة’؛ معيداً معركة النظام ضدّ الشعب، إلى قتال الإمام علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، ونزاع الشيعة والسنّة، ليس دون إدراج الخوارج أيضاً!
غير أنّ ولاء ضباط هذا الصفّ الثاني ليس عاصماً لأيّ منهم، بصرف النظر عن رتبته العسكرية أو موقعه الميداني أو حتى أصوله الدينية أو الطائفية أو الإثنية، من جولات التصفية الناجمة عن خلافات هنا أو هناك، حول اقتسام المغانم أو المسّ بالتوازنات أو التطلّع إلى موقع الصفّ الأوّل أو نكث العهود؛ أو، في سياقات ليست أقلّ أهمية، حين يصبح وجود الضابط، رغم أنه مطيع موالٍ قانع مدافع، خطراً على هذه أو تلك من معادلات منجاة النظام. فإذا صحّ أنّ أكثر من جهة معارضة مسلحة نسبت إلى نفسها واقعة استهداف اللواء جامع جامع، بما في ذلك ‘جبهة النصرة’ و’داعش’ ومقاتلي قرية ‘البوليل’ الديرية؛ فإنه يصحّ استطراداً افتراض تورّط النظام ذاته في تصفية ضابط كان أميناً على كثير من أسرار ‘الحركة التصحيحية’ في لبنان، وفي رأسها ملفات الصراع بين ‘أمل’ و’حزب الله’ خلال الثمانينيات، وخفايا اغتيال الحريري.
وهذا تفصيل يعيدنا إلى اللواء غازي كنعان، الذي نُحر أو انتحر أو انتُحر في مثل هذه الأيام سنة 2005، وكان تغييبه تطوّراً استثنائياً في النهج الذي اختطه حافظ الأسد لرجالاته المخلصين، ونقلة طارئة على معمار الآلة الأمنية وتوازناتها الداخلية، وعلى محاصصات القوّة إجمالاً. وجامع جامع ليس غازي كنعان، بالطبع، ولا السياقات التاريخية لمقتل الأوّل ذات صلة تفسيرية بتغييب الثاني؛ بيد أنّ الاثنين انتميا، وإنْ في مرحلة تاريخية سابقة، إلى تلك الحلقة التي تنتقل تداعياتها من الماضي إلى الحاضر والمستقبل القريب، وتستوجب ‘تعزيل’ البيت داخلياً، بيد أصحابه أنفسهم، لا بيد زيد أو عمرو في جنيف ـ 2، أو في طهران أو موسكو أو واشنطن.
اتكاءً على منطق كهذا، إذا صحّ كلّه أو بعضه، فإنّ الدور التالي في ‘التعزيل’ قد يشمل نماذج رستم غزالي؛ وإنْ