يسألونك عن « داعش »؟! – محمد أبو رمان

Article  •  Publié sur Souria Houria le 13 juin 2014

ما يزال تنظيم « الدولة الإسلامية في العراق والشام » (داعش) يفاجئ كثيراً من النخب السياسية والمثقفة العربية، وحتى الرأي العام، منذ ظهوره السريع في المشهد السوري، ودخوله في مواجهة مع أشقاء الدعوة سابقاً (جبهة النصرة)، وصلت إلى معارك دامية بينهما، وصولاً إلى اللحظة الراهنة من الانتصارات المتتالية السهلة على قوات المالكي والسيطرة على عدد كبير من المحافظات العراقية.
ثمّة أسئلة متعددة تتردد في الأوساط الشعبية والسياسية عن هذا التنظيم. لكن أهمّ هذه الأسئلة تتمثل، أولاً، في طبيعة الخلافات والفرق بينه وبين « القاعدة »؛ فيما إذا كانت أيديولوجية أم تكتيكية. وثانيا، في طبيعة العلاقة مع إيران؛ فيما إذا كان هناك فعلاً تقاطع مصالح أو توظيف متبادل بين الطرفين، أم أنّ التنظيم مجرد « لعبة إيرانية » تستخدم لتحقيق الأهداف المطلوبة بصورة معكوسة، أي من خلال « اختلاق الخصوم »!
تكمن المفارقة هنا في أنّ تنظيم « داعش » وُلد أصلاً خارج « القاعدة »، عندما أسس الأردني أبو مصعب الزرقاوي جماعته « التوحيد والجهاد » في العراق، بعد الاحتلال الأميركي مباشرة. ثم اضطر الزرقاوي، لاحقاً، إلى إعلان البيعة لأسامة بن لادن، وانضم للقاعدة، بعدما فضح شيخه الروحي أبو محمد المقدسي الخلافات بين الزرقاوي و »القاعدة »، ووجه انتقادات غير متوقعة له.
بالرغم من دخول الزرقاوي للقاعدة وصعود نجمه، في اللحظة التي كان يختبئ فيها قادتها المطاردون عالمياً، إلاّ أنّ بن لادن والمجموعة القيادية أدركوا تماماً أنّ الزرقاوي يسير في خطّ أيديولوجي وواقعي مختلف بدرجة كبيرة عن « القاعدة »؛ فهو أكثر تشدداً وتزمّتاً في النظر إلى الواقع السياسي عبر لونين اثنين فقط؛ أبيض أو أسود، ومجموعته أكثر تشدداً دينياً. وهو يتوسع في عمليات التفجير، وفي التكفير والقتل لمن يختلف معه، ولديه تصور مختلف عن « القاعدة » المركزية في التعامل مع إيران وإعطاء الأولوية لمقاومة المشروع الشيعي، بينما « القاعدة » المركزية تركّز على المفهوم العالمي للصدام وأولوية المواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية.
أبقى بن لادن الخلافات مكتومة مع الزرقاوي، ولم يعلنها؛ إذ كان يحاول احتواءه من جهة، وتجنب صدمة الانشقاق والاختلاف داخل « القاعدة » من جهة أخرى. ولم تكن « القاعدة » تشعر بارتياح للصدامات التي دخل فيها الزرقاوي مع الفصائل الإسلامية المسلحة في العراق، ولا الخطوة المفاجئة بالإعلان عن إقامة « الدولة الإسلامية في العراق » على رقعة المحافظات السنية، وتعيين وزراء ومسؤولين، بعد أن بايع الزرقاوي نفسه أمير الدولة.
مع تأسيس « الدولة الإسلامية »، اعتُبرت « القاعدة » جزءاً منها لا العكس. وربما هذه القضية الخلافية ستأخذ لاحقاً صدى كبيراً بين أتباع « القاعدة » و »جبهة النصرة » في سورية وأتباع « داعش »، في النقاش بشأن من هو الذي نقض البيعة من الطرفين. وهو نقاش تترتب عليه في هذا الفضاء الأيديولوجي والديني أحكام واقعية كبيرة، منها « استحلال القتل »!
لم يؤدّ مقتل الزرقاوي إلى نهاية الخطّ الجديد الذي رسمه في مسار السلفية الجهادية وأنصار « القاعدة »، بالرغم من أنّ دولته تراجعت في العراق ودخلت في صدام مع القوى السنية الإسلامية، وبرزت الصحوات في مواجهتها، وكادت أن تتلاشى خلال الأعوام الماضية. إذ إن خلفاءه حافظوا على منهج الزرقاوي بقوة، بينما كان زعيم القاعدة أسامة بن لادن يقوم بمراجعات كبيرة، عشية مقتله، لمسار « القاعدة »، ويحاول الاتجاه نحو قدر أكبر من الاعتدال، ما زاد شقةّ الخلاف بين الطرفين.
إذن، سورية كشفت المستور بعدما برزت إلى السطح الخلافات بين « داعش » وبين « القاعدة » (معها « جبهة النصرة »)، لكن بعدما أصبحت « داعش » نفسها على درجة من القوة والتأثير في الأجيال الجديدة، في سورية والعراق وخارجهما، بما قد لا يتوافر لقيادة « القاعدة » نفسها.