يوميّات معتقل.. رام العربي: بعد التعذيب محاضرات فكريّة وأخوّة وتعهّد – نضال أيوب

Article  •  Publié sur Souria Houria le 7 octobre 2011

لم يخسر رام عينه. لكنه هكذا ظن عندما نقل له الطبيب الخبر. قال له ببساطة: « عينك مضروبة، ما عاد راح تشوف فيها » (الحلقة الأولى). حاول رام بداية تكذيب الخبر. لم يرد أن يصدّق، لكنه لاحقا حاول التأقلم مع الفكرة، وصار يضع تصورات لحياته بعين واحدة. لم يخالجه حينها أي شك بأن الطبيب يكذب. وعندما أبصر بعينه من جديد، أدرك أن بعض الأطباء أيضا هم جزء من المنظومة الأمنية، كما يقول
يتابع رام سرد التفاصيل التي رافقت ساعات اعتقاله:
« .. ظروف الاعتقال أنستني عيني. انحصر تفكيري بكيفية تلقي أقّل عدد من الضربات للخروج حيا. وحين صعدنا إلى الباص ليعيدوننا إلى المعتقل، انتزعوا مني ورقة الأدوية ومزقوها: « بدك دوا يا… ». في نظرهم أنا كائن حيواني لا أستحق حتى الدواء
حين وصلنا إلى الفرع كانت هناك دفعة جديدة من المعتقلين من دوما، الحميدية، التلّ، دار الأموي. طلبوني للتحقيق. حين نخرج من غرف الاعتقال يغطّون لنا وجوهنا. لا نرى أحدا، لا المحقق ولا الجلاّد ولا الطريق. سمعت صوتا يسألني عن اسمي واسم الوالد. وبعد قليل، وجّه الصوت التهمة: « أبوك إخوان مسلمين، وانت تنظيم جند الشام المسلح »
لم أعرف من أين جمع معلوماته عن عائلة لا تمتّ للدين بصلة. « عفوا، اذا هادا الحكي تهمة فأنا عندي رد، أما إذا عم تخبرني شي فأنا لا حول ولا قوّة.. كاسة العرق تبع أبوي بتخبرك بنفسها عن التهمة »
حققوا معي خمس مرات متتالية. وفي كل مرّة، كنت أتلقى جلدات لا ترحم. بين تحقيق وآخر لا استراحة، أعود فقط إلى غرفة التجمّع التي لا تقل عذابا عن غرفة التحقيق. هنا يبدأ العقاب النفسي. كنت أسمع أصوات أصدقائي تستنجد من هول الضرب الذي يتعرضون له. هذا عدا عن الجو المشحون بالخوف والرهبة وانتظار المجهول
في تلك اللحظات يكون الموت هو أقرب الحاضرين إلى ذهنك دائما
بالإضافة إلى ذلك، كان هناك عقاب من نوع مختلف: المحاضرات الوطنية التي اعتدنا عليها منذ الصف الأول ابتدائي. يأتي مارد مدجج بالإيمان والعقيدة ليحدثنا عن إنجازات القائد وعظمته، وعن سعة صدره ورحابة قلبه. حينها، نتحوّل من الخونة والكلاب إلى « الأوادم الحبابين » وأولاد الوطن « البارّين » وبناة المستقبل: « نحنا متل اخواتكن، نحنا إذا ضربناكم كرمال انتو تتعلموا. في بيناتكن كم واحد كلب نحنا عرفناهن.. وما رح يطلعوا اليوم »
خلال « المحاضرة » أخبرنا السجّانون عن صدور قرار بالعفو عن المعتقلين. « سوف يفرج عنكم جميعاً لأنكم أثبتّم وبالدليل القاطع أنكم من أبناء الوطن الصالحين، وأنكم لن تخطئوا مرةً أخرى ». بعدها، أرغمونا على الهتاف: « بالروح بالدم نفديك يا بشار.. »، ومن لم يستجب لطلبهم كان عليه أن يتلقى عقابا قاسيا على تمرّده
هناك أيضا المحاضرات الفكرية التي أسميها بدوري « التشبيح الفكري ». محاضرات تحكي عن الانجازات، والديمقراطيّة، والانفتاح الاقتصادي، والتضحيات.. وضرورة أن نصبر لنرى انجازاتهم.
بعد المحاضرة، بدأت معاملات إطلاق سراحنا: كل معتقل سيوقّع على ورقة تعهد، تنصّ على « أن نبتعد عن كل نشاط ومظاهرة »، إضافة إلى ورقتين فارغتين أجبروا البعض، وأنا منهم، على توقيعها، مع البصمة
أخيرا، خرجنا من المعتقل. جمعونا في ثلاث حافلات، ونقلونا إلى ساحة دوما. في الطريق، أجبرونا أيضاً على الهتاف للقائد. وحين وصلنا، وجدنا أهالي المنطقة في انتظارنا. أنزلونا وهربوا فوراً. كانت المنطقة فارغة تماماً من الأمن. فور نزولنا انضممنا إلى الأهالي، ومضينا في مظاهرة جديدة، مرددين: بالروح بالدم نفديك يا شهيد، الله.. سوريا.. حريّة وبس
كنا نريد الرد على ما أجبرونا على قوله، هناك في السجن، فهتفنا لسوريا التي نؤمن بها.. »
رام العربي اعتقل لمدة 36 ساعة. أشهر مرّت بعدها، بدأت خلالها معالم الضربات على جسده تتلاشى، لكن آثار جروحه ظلّت بادية: لون أزرق يحيط بعينه، أسنان مكسورة، وضيق في التنفس نتيجة الضربات التي تلقّاها على صدره، وتوقيع تعهد لم يمنعه من المشاركة في المظاهرات: « لست أفضل ممن استشهد.. ما زالت لدي فرصة لأموت حرا »

شباب السفير – 06/10/2011

http://shabab.assafir.com/Article.aspx?ArticleID=4987#.To79aLZV7XI.facebook