٥٠٠ يوم سوري أغر-عيسى الشعيبي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 3 août 2012

إذ كانت شهادة ميلاد الثورة السورية قد دونها أطفال درعا في سجل نفوس الوقائع الملحمية يوم 18/3/2011، وهو اليوم المعتمد لدى أهل حوران، وليس قبل ذلك بثلاثة أيام من ذلك التاريخ، بحسب ما هو دارج في الإعلام، استناداً إلى مظاهرة سريعة ونادرة حدثت في حيّ الحريقة الدمشقي العتيق، نقول إذا كان هذا الميلاد بحسب التقويم الحوراني صحيحا، فإن هذه الثورة تكون قد اجتازت هذا النهار 500 يوم بالتمام والكمال.
ومع أنه لا يوجد في التقاليد المرعية احتفال بمرور مثل هذا العدد من الأيام على وقوع حدث يستحق الاحتفاء، ويدعو إلى التنويه بذكراه، وذلك مثل المئة يوم الأولى أو السنة الواحدة أو غير ذلك من المناسبات الفضية والذهبية والبلاتينية، إلا إنني وددت على نحو شخصي أن افتعل عيداً صغيراً بهذه المناسبة، كي أسترجع فيه بعض التأملات والمقارنات، بين أمس هذه الثورة الشاق وبين راهنها الرحيب.
وبالحد الأدنى من الجرعة السياسية التحليلية، فإنه يمكن القول باطمئنان شديد: شتان ما كنا عليه من توجس وتحفظ وضعف ثقة، في الأيام الأولى من هذه الثورة، التي كسرت المسلمات وفضت الالتباسات واجتازت المستحيلات، وبين ما نحن عليه اليوم من يقين، وصواب انحياز وحسن تقدير، بعد أن ذهب القلق على مآلات الثورة، وتبدد الشك بقدرتها على الصمود في وجه آلة قمع النظام الاستبدادي.
أول الأمر، كان الإشفاق سيد الموقف، ونحن نرى المتظاهرين يتلقون بصدور عارية رصاص قوات الأمن المتوحشة. وكان الخوف على مصير هذه الانتفاضة السلمية يستبد بعقول وقلوب العارفين بدموية نظام العائلة المافياوية، فيما كان الترقب الذي كان لا يخلو من الجزع يترصد سؤالنا الحار في كل يوم جمعة، عما إذا كانت المسيرات السلمية هذه قادرة على الانطلاق مجدداً بعد كل الترويع الذي تعرضت له، حتى في المسيرات الجنائزية.
أما اليوم، وبعد انقضاء كل هذه الأيام التي طالت أكثر بكثير مما كانت عليه أفضل التقديرات، وحققت ما هو أكبر مما عقد عليها من رهانات، لم يعد السؤال الحار ذاته يتعلق بمشاعر الخشية على استمرارية الثورة وزيادة زخمها باطراد، وإنما بات يقتصر فقط حول كم تبقى من الأيام، وليس الأشهر، كي تبلغ هذه الثورة الإعجازية سدرة منتهاها، وأن ترفع على جبل قاسيون رايتها.
والحق، إنني لم أكن متفائلا بصلابة عود السوريين كل هذه الصلابة، كما أنني لم أتوقع رؤية بعض من مشهد الربيع التونسي أو المصري في البلد الذي تقبض فيه أعتى الأنظمة البوليسية على رقاب الناس، وتعد عليهم أنفاسهم، حتى إنني بعد فترة قصيرة، وكنت ضنيناً بالدماء المسفوحة، قلت في نفسي: هذا يكفي، هذه جولة أولى، انكسر جدار الخوف وتحققت المعجزة.
أما اليوم، وقد تحولت الانتفاضة الشعبية إلى تمرد مسلح شامل، فإنه لا يعوزني اليقين العميق، وقد شبت الثورة عن الطوق، وعبرت نقطة اللاعودة، وفقد النظام الاستبدادي كل قدرة له على السيطرة، أن بيان النصر النهائي على الدكتاتور، الذي يحث عسكره على القتل من مخبئه، قد كتب الثوار ديباجته الطويلة، وأنجزوا الكثير من نص متنه الباذخ، ولم يبق عليهم سوى السطر الأخير من نهايته المؤكدة.
صحيح أن غيوماً سوداء ما تزال متلبدة، وأن المخاطر في ربع الساعة الأخير قائمة، وأن الثمن الذي تم دفعه كان باهظاً مع الأسف، وأن ما تبقى من الشوط قد يكون أكثر كلفة من سابقه، غير أن النتيجة التي تلوح في الأفق القريب تبدو حاسمة، وأن الجائزة العظيمة تبدو بحجم التضحيات العظيمة. فبعد 500 يوم مجيد، انتقلت الثورة من طور الدفاع الموضعي إلى طور الهجوم الشامل، وشرعت من حلب، وتحت بقية من ظلال سيف الدولة الحمداني، تعيد كتابة تاريخ هذه المنطقة.

http://www.alghad.com/index.php/afkar_wamawaqef2/article/30238/500-%D9%8A%D9%88%D9%85-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A-%D8%A7%D8%BA%D8%B1.html