أمريكا في الشعيرات: «الحيونة» بعد «العقلنة»- صبحي حديدي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 16 avril 2017

في مستوى علم نفس السلوك، بادئ ذي بدء، يمكن الافتراض بأنّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يكن في وارد الاقتداء بسلفه باراك أوباما، إزاء مجزرة خان شيخون؛ خاصة وأنّ مناخات التغطية الإعلامية الغربية لجريمة الحرب الكيميائية تلك، كانت كفيلة بتعزيز الحاجة إلى، وربما ضرورة، انتهاز الفرصة الأولى السانحة، لتطبيق الشعار الترامبي «لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً». ترامب غير أوباما، قالت رسالة الصواريخ الـ59؛ والفارق يتوجب أن يبدو، هنا تحديداً، بمثابة افتراق جوهري لا يقتصر على لجوء القائد العسكري الأعلى إلى إصدار أمر روتيني، بتنفيذ ضربة صاروخية.
وأمّا في المستوى غير الفردي، الأهمّ ربما، على صعيد السياسة خلف صواريخ الـ»توماهوك»؛ فالأرجح أنّ البيت الأبيض يمكن أن يبدّل المواقف بين ليلة وضحاها، بحيث يمحو النهار كلام الليل، وبالعكس، دون سابق إنذار؛ أو دون خان شيخون بشعة إلى هذه الدرجة، وشريرة، حيوانية، في توصيف ترامب شخصياً. قبل أيام فقط من سقوط الصواريخ على مطار الشعيرات، كان الخطاب الرسمي الأمريكي يطوي صفحة مصير بشار الأسد، إذْ لم يعد تنحّيه، فما بالك الإطاحة به، «أولوية» أمريكية. الآن، خلال ساعات معدودات في الواقع، بات خروج السلالة الأسدية من التاريخ السوري أمراً محتوماً، وفق تصريحات وزير الخارجية الأمريكي ريك تيلرسون.
في قراءة أخرى، من الحكمة عدم انتظار تحوّل جوهري في الموقف الأمريكي من النظام السوري، في المدى القريب المنظور على الأقلّ، وريثما تتبلور الصورة في محورين اثنين، على الأقلّ. الأوّل روسي، حيث لن تجد موسكو مفراً من «التعقيب» على الضربة الصاروخية الأمريكية، في صياغات سياسية أولاً (أبعد من الـ»فيتو» في مجلس الأمن الدولي)، ثمّ عسكرية ربما (قد تُترجم في ترقية صنوف المعدات والأسلحة في مطار حميميم، أو محاولة خلط بعض الأوراق مع الفصائل الكردية في الشمال وعلى هوامش ما يُسمّى «معركة الرقة»). المحور الثاني إسرائيلي، عماده تلميحات بنيامين نتنياهو إلى «تمدّد» وحدات «حزب الله» جنوباً، صوب الجولان المحتل، وهذا بدوره خطّ أحمر؛ وكذلك تذكير موسكو بتعهداتها، المعلنة أو السرّية، حول كفالة أمن إسرائيل من جهة الخاصرة السورية.
وأن يتفادى المرء الأوهام، أو حتى الاستيهام، بصدد تحولات الموقف الأمريكي بعد الضربة الصاروخية؛ أمر لا يلغي النظر الجدّي في ما خلقته تلك الضربة من حراك ديناميكي، على أكثر من صعيد في الواقع: ما تبقى من «تفاهمات» روسية ـ أمريكية، بصدد سوريا؛ خيارات الحلف الأطلسي مجتمعاً، أو المواقف الفردية المتباينة لدى بعض أعضائه (فرنسا مقابل ألمانيا، مثلاً)؛ إيران، وفي ما يخصّ سلّة مصالح متعددة، تبدأ من ساحات الصراع في سوريا والعراق واليمن، ولا تنتهي عند مستقبل الاتفاق النووي مع الغرب؛ وأخيراً، وليس آخراً البتة، قراءة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، التي قد تكون الأهمّ إقليمياً، ليس لواقعة الضربة الصاروخية وحدها، بل لأي بارقة اختلال في «تفاهمات» واشنطن وموسكو، يمكن أن تستغلها أنقرة لاستحداث هوامش مناورة إضافية في مجمل الملفّ السوري.
واضح، في المقابل، أنّ النظام السوري خسر الكثير في هذه الجولة (العلنية) من استخدام السلاح الكيميائي، وأنّ ألعاب الشدّ والجذب بين واشنطن وموسكوـ التي خال أنها منحته مهلة بقاء إضافية، أفضل من تلك التي تمتع بها في عهدَي أوباما ـ لا تنقلب اليوم ضدها، وعليه استطراداً، فحسب؛ بل لعلها ستدفع إدارة ترامب إلى إحياء خيارات أولى مبكرة، سبقت صعود «داعش»، أولاً؛ كما سبقت التدخل الروسي المباشر، حين كانت دمشق على وشك السقوط، حسب تشخيص وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ثانياً.
وكان أوباما قد اعتمد جرعة من «العقلنة» الذرائعية في الموقف من النظام السوري، وأمّا خَلَفه ترامب فإنّ لجوءه إلى «حيونة» رأس النظام شخصياً هو، أيضاً، افتراق في علم نفس السلوك!