أوباما ومنظومة الديناصور- صبحي حديدي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 29 mars 2015

أوباما ومنظومة الديناصور- صبحي حديدي

إذا كانت إيران، او بالأحرى: النفوذ الإيراني المتعاظم، هي القاسم المشترك الاوّل بين معارك تحرير تكريت في العراق، واستهداف الحوثيين في اليمن ضمن عملية «عاصفة الحزم»؛ فإنّ القاسم المشترك الثاني هو «عقيدة» الرئيس الأمريكي باراك أوباما، التي جرى تطبيقها على الأرض طيلة ستّ سنوات ونيف، ولعلها سوف تتواصل حتى الساعة الأخيرة من وجود أوباما في البيت الأبيض.
وقد يرى البعض، ليس دون وجه حقّ بالطبع، أنّ التخبط هو سمة هذه «العقيدة»؛ إذْ كيف يعقل أن تكون الطائرات الأمريكية المقاتلة هي السند الجوي لميليشيات «الحشد الشعبي»، التي يقودها ضبّاط إيرانيون، على رأسهم الجنرال قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» الشهير؟ وأياً كانت الأسباب الذرائعية التي تُساق في تبرير هذا التحالف الشاذ (كأن يُقال بأنّ هذه الميليشيات تقوم بالأدوار القذرة ضد «داعش» بالنيابة عن أمريكا وحلفائها)، فكم هي خرقاء تلك الخيارات ذاتها إذا كانت تقوّي شوكة الميليشيات المذهبية ـ ذات الصبغة الشيعية، في نهاية المطاف ـ ضدّ جمهور السنّة في العراق عموماً، وفي بلدة ذات محمولات رمزية استثنائية مثل تكريت، خصوصاً؟ أليس مدعاة سخرية، من جانب آخر، أن يكون رحيل الجنرال سليماني شخصياً من ساحة المعركة (مع بقاء أنصاره وأركانه ومرؤوسيه العراقيين على الأرض)، هو الشرط، المسرحي عملياً، لاستئناف الدعم الجوي الأمريكي؟
ثمة رأي آخر، مع ذلك، يساجل بأنّ من الخطأ اختزال «عقيدة» أوباما إلى هذه المنظومة التبسيطية، في تكريت تحديداً، وبصدد الموقف من النفوذ الإيراني في المنطقة عموماً. ثمة، حسب هذا الرأي، نمطان من حروب استنزاف عير مباشرة، ينخرط فيها خصوم الولايات المتحدة، طائعين أو مكرهين؛ والبيت الأبيض يكتفي بالفرجة عليها إجمالاً، أو المشاركة في صبّ الزيت على حرائقها أحياناً. وهي، بدورها، وإنْ بطرائق أبعد أثراً، تسير على مبدأ إنابة الخصم في أداء الأعمال القذرة، حتى إذا انطوت السيرورة على مجازفات صغيرة هنا وهناك.
هنالك حرب استنزاف أولى ضدّ إيران، للمفارقة الكبرى، عمادها زجّ إيران في سلسلة من المآزق المتتابعة، غير المترابطة بالضرورة، في سوريا والعراق واليمن خصوصاً، وإرهاق طهران مالياً وعسكرياً ومعنوياً وعقائدياً، بحيث ينقلب النفوذ الإيراني إلى ديناصور هائل ضخم الجثة، لكنه متباطىء الحركة وثقيل الإيقاع وعالة على ذاته ومحيطه. وفي التنويع على هذه الحرب، ثمة استنزاف لا يقلّ أذى، بل تظلّ خسائره أفدح على المدى البعيد، انساق إليه «حزب الله» اللبناني، في سوريا بادىء ذي بدء وعلى نحو عسكري مباشر على امتداد جبهات كثيرة؛ وعلى النطاق العربي والمسلم عموماً، لجهة افتضاح خرافة «المقاومة» وانزوائها في خندق مذهبي ضيّق، يحالف مجرمي الحرب وقتلة الأطفال، بل يقاتل بالنيابة عنهم.
والحال أنّ هذه المنظومة تؤتي الكثير من أُكلها المرجوة، فلا تتجلى في الأثمان الاقتصادية التي تتراكم على كاهل طهران، من حيث تدهور الريال الإيراني وتقلبات أسعار النفط التي تقذف بالميزانيات في مهبّ الريح، فحسب؛ بل تتخذ، أيضاً، تعبيرات سياسية وعسكرية ومذهبية ذات أضرار بالغة، خاصة حين تبدو طهران أقرب إلى الظاهرة الصوتية الصرفة، في الردّ على الضربات المضادة الموجعة (كما في مثال «الرد المزلزل» الذي وُعدت به إسرائيل بعد استهداف «حزب الله» وقيادات إيرانية في هضبة الجولان المحتل، قبل أسابيع قليلة؛ أو في التصريحات الجوفاء، والجعجعة اللفظية، التي أعقبت عملية «عاصفة الحزم»).
الأمر الذي لا يحصّن أوباما، ومنظومته هذه، من أخطار ديناصور ثقيل ومتثاقل… لا تُحتمل خفّته دائماً، مع ذلك!