حلب: كرّ القيصر وفرّ التابع – صبحي حديدي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 7 août 2016

subhiالمنطق ـ البسيط أولاً، ثمّ ذاك الذي برهنت على صوابه جولات سابقة في المواجهات العسكرية بين النظام السوري وفصائل المعارضة السورية المسلحة، على اختلاف انتماءاتها وتشكيلاتها ـ يشير إلى أنّ معركة حلب الراهنة، في الحصار والحصار المضاد؛ سوف تكون طويلة، قائمة على الكرّ والفرّ، ومرشحة لتطورات نوعية، ودروس فارقة إلى جانب أخرى باتت كلاسيكية.
ولعلّ أولى الدلالات الجديرة بالتأمل هي السرعة المذهلة التي اتسم بها نجاح المعارضة المسلحة، وتحديداً «جبهة فتح الشام»، في اجتياح المدارس والكليات العسكرية الحصينة في منطقة الراموسة؛ خاصة مدرسة المدفعية، تلك القلعة الحصينة المدججة بالسلاح والعتاد والعناصر، وبعض الرموز الدامية أيضاً (لم يكن قراراً رغبوياً، فقط، أنّ «الجبهة» اختارت اسم إبراهيم اليوسف، ومجزرة حزيران/ يونيو 1979 البغيضة التي وقعت في المدرسة إياها، لتسمية العمليات هناك).
صحيح أنّ ما تبقى من جيش النظام بات، بالفعل، جديراً بلقبه الأثير: «جيش أبو شحاطة»، المهلهل، المتفكك، سريع الانهيار، فاقد المعنويات، متدني التدريب، رديء التغذية، فوضوي التسليح، ضحية هروب ضباطه فور دنوّ العواصف… ولكن من الصحيح، في المقابل، أنّ هذا الجيش ليس هو الذي يقاتل، مباشرة أو أساساً، على تخوم حلب؛ وأنّ القتال الميداني الأكثر فعالية تتولاه وحدات «حزب الله»، و»الحرس الثوري» الإيراني، والميليشيات شيعية المذهب متعددة الأعراق.
الدلالة الهامة الثانية هي أنّ جيش النظام، والقوات والميليشيات المختلفة «المرافقة» له، يتمتعون بتغطية جوية كثيفة من القوّة الأعظم الثانية كونياً؛ وأنّ الطيران الحربي الروسي كان، ويظلّ، العامل الأوّل والثاني والثالث… والعاشر، في تعديل الميزان على الأرض، دون رادع يحول دون استخدام الأسلحة المحرمة دولياً، وقصف المشافي والمرافق الحيوية العامة. ومع ذلك، فإنّ التطورات العسكرية الميدانية قد برهنت أنّ ذروة سعار القيصر الروسي لم تكن كافية، أبداً، لكي يصمد «أبو شحاطة» وحلفاؤه قيد أمتار قليلة في كليات المدفعية والتسليح والبيانات، وقبلها «كتيبة الصواريخ» وتلال «مؤتة» و»أحد» و»المحبة»…
الدلالة الثالثة هي الغياب الأمريكي عن معادلات معركة حلب، ليس في أبعادها العسكرية فقط، فهذه صارت «لازمة» مكرورة مقترنة بخيارات البيت الأبيض، بل في الأبعاد السياسية أيضاً. وهذا غياب يشير، على نحو جوهري حتى إذا بدا مبكراً، إلى طبيعة التفاهمات الأمريكية ـ الروسية حول سوريا، وكيف أنها تصبح منكشفة ومعطلة، وربما خاوية الوفاض على الأرض، حين يندلع قتال شامل من الطراز الذي تشهده تخوم حلب اليوم. فإذا كانت روحية تلك التفاهمات تقوم على التنسيق في استهداف «جبهة فتح الشام»، مقابل كفّ موسكو عن قصف «المعارضة المعتدلة»؛ فإنّ مشهد الميدان العسكري يشير إلى كتلة نقائض تجعل تلك التفاهمات حبراً على ورق: الروسي يقصف، خبط عشواء، جميع معارضي النظام السوري، في حلب وسواها؛ والأمريكي يكتفي بتقديم يد العون في منبج، وتطوير القاعدة الأمريكية الوليدة في الرميلان؛ ولكنّ «الجبهة» تتكرس، يوماً بعد يوم، كطليعة قيادية في ساحات المواجهة العسكرية!
الدلالة الرابعة، أخيراً وليس آخراً، هي أنّ أصداء معارك مدارس الراموسة وكلياتها العسكرية، لا تتردد في مثلث حلب/ إدلب/ الساحل السوري، فحسب؛ بل بلغت دمشق وريفها، وأخذت تحرق طبخة «الهُدن» الروسية في داريا والمعضمية، وتقضّ مضجع «جيش الإسلام» الأخرس في دوما، وجبهة حوران النائمة في الجنوب… ولأنّ معركة حلب لم تبدأ أصلاً من اعتبارات محلية تخصّ فكّ حصار، وفرض حصار مضادّ؛ فإنها ـ خاصة إذا طالت وتشعبت واتسعت ـ مرشحة للانقلاب إلى معركة كبرى فارقة، عسكرياً وسياسياً، سورياً وإقليمياً ودولياً.
كرّ وفرّ، إذن، لا استثناء فيه للقيصر أو تابعه «أبو شحاطة»!