رمضان «داعش»: لا صيام عن الحسام! – صبحي حديدي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 6 juin 2016

subhiأنظار العالم، ومعها وسائل الإعلام وأعمدة التعليقات وعدسات التلفزة بالطبع، تتركز هذه الأيام على الفلوجة في العراق، وعلى منبج في سوريا؛ حيث تخوض تحالفات شتى، من كلّ حدب وصوب، معارك من كلّ ضرب أيضاً، ضدّ «داعش». ثمة أمريكا وتحالفها الدولي، وروسيا وتحالفاتها المحلية، والجيش العراقي، والجيش التركي، و«قوات الحشد الشعبي» بمختلف فيالقها وعصائبها، و«قوات سوريا الديمقراطية»، و«الجيش الحر» السوري، و«جيش الفتح»، و«جبهة النصرة»، و«أحرار الشام»؛ دون أن يُنسى الجنرال الإيراني قاسم سليماني، كليّ الحضور بين ريف دمشق وريف حلب وريف الأنبار.
ما تتجاهله العدسات والتعليقات والأخبار، عن سابق عمد في نماذج عديدة، هو مفهوم كلاسيكي اقترن بـ»داعش» منذ الأطوار الأبكر لصعودها واستقوائها ونجاحها في السيطرة على مناطق واسعة من العراق وسوريا: أنها، حتى حين تتقلص، لا تكفّ عن التمدد؛ وحين تتقهقر هنا، فإنها تتوسع هناك. نظرة بسيطة على خريطة هذه المعادلة، بعيداً عن بؤرة التركيز في الفلوجة ومنبج، سوف تبيّن التالي: التنظيم في كرّ وفرّ على جبهات سرت الليبية، في بن جواد والنوفلية وعلى مبعدة قريبة من أكبر محطات توليد الطاقة في أفريقيا؛ وتقارير، يتوجب أخذها على محمل الجدّ، أشارت إلى مسؤولية «داعش» عن مخطط إرهابي كان يُعدّ له جنوب مكة، في السعودية؛ وفي «ولاية سيناء»، حسب تعبير التنظيم، ثمة عمليات متواصلة وذات نسق متصاعد، أجبر دولة فيجي على سحب عشرات من جنودها العاملين ضمن قوات الأمم المتحدة في شبه الجزيرة؛ «ولاية حضرموت»، في اليمن، تشهد استمرار «غزوة أبو علي الأنباري» في المكلا، ومعها تتعاقب عمليات الانتحاريين والسيارات المفخخة؛ وأمّا في روسيا، فإنّ قوات الأمن في جمهورية إنغوشيا قتلت خمسة واعتقلت 12، بتهمة الانتماء إلى «داعش»، فاتضحت على نحو أفضل دلالات عمليات مماثلة جرت في سان بطرسبورغ وداغستان؛ وعلى منوال مشابه، وقعت مجابهات في «ولاية خراسان» التي شهدت قيام مقاتلين طاجيك بأداء البيعة للبغدادي، وكذلك في الأجزاء الباكستانية من بيشاور؛ هذا إذا لم يصدّق المرء ما تنشره وكالة «أعماق» عن عمليات التنظيم في بنغلادش، والفليبين، ونيجيريا.
وهكذا، يكفي أن يقلّب المرء أياً من التقارير الدورية الموثقة، أو الخرائط التحليلية، التي يصدرها «معهد دراسة الحرب» الأمريكي حول «داعش»؛ لكي يدرك، دون مشقة في الواقع، أنّ حال المدّ والجزر بين «الدولة» وشتى التحالفات التي تحاربها لم تعد مبدأ ناظماً لعلاقات القوّة بين الطرفين، بل صارت لعبة كبرى ذات قواعد متجددة ومتغايرة، شرقاً وغرباً. وفي المقابل، على جبهة السياسة والعقيدة والتجنيد والتعبئة، ليس جديداً أنّ «داعش» تحسن استغلال ما يلوح أنه ائتلاف العالم بأسره ضدّ «الخلافة»؛ ليس من جانب «الكفرة» و«الصليبيين» من قوى الغرب، فحسب؛ بل كذلك في صفوف «الصفويين» و«الروافض» و«المرتدين» من أبناء الديانة الإسلامية أيضاً. وإذْ ينجح التنظيم في تجنيد المسلمين أولاً، فإنه في المقابل لا يعدم مسيحياً كاثوليكياً يهتدي إلى هذا «الإسلام» الذي تبشّر به «داعش»، فيُقتل دفاعاً عن «الخلافة» (نموذج الفرنسي بيار شوليه، ابن الـ19 سنة، الذي نفّذ عملية انتحارية في العراق، صلاح الدين، السنة الماضية).
والحال أنّ معارك الفلوجة ومنبج ليست سوى مظهر السطح الساخن من حرب واسعة النطاق، شاملة، مركبة، متعددة النطاقات، ليست البتة أقلّ سخونة؛ تكون فيها واشنطن أو موسكو أو انقرة أو بغداد محض أقطاب أولى، لا تختطّ المسارات دائماً، بل ترتهن لها أيضاً، تحت سقوف لعبة المدّ والجزر إياها. ولا يلوح، بذلك، أنّ رمضان «داعش» المقبل سوف يشهد الصيام عن الحسام!