قرآن الأسد وتوراة أوباما- صبحي حديدي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 8 février 2016

subhi-hadidi

لعلّ بشار الجعفري، مندوب النظام السوري وممثله في مباحثات جنيف الأخيرة، هو الاختزال الأصدق لهذه الجولة؛ قبل أن تبدأ، وبعد أن فشلت، سواء بسواء. لقد أعلن ـ ساحباً البساط من تحت أقدام الرعاة الثلاثة، واشنطن وموسكو والأمم المتحدة ـ أنّ «الفاتحة» في «القرآن تبعنا»، أي قرآن سيّده بشار الأسد، هي هذه: «لن يكون هناك تفاوض، نحن هنا لإجراء محادثات غير مباشرة على شكل حوار سوري ـ سوري، دون شروط مسبقة، ودون تدخل خارجي». ورغم أن «محادثات» من أيّ نوع لم تجرِ، في نهاية المطاف، ما خلا تلك التي عقدها المندوب الأممي ستافان دي ميستورا؛ فإنّ كامل الضجيج والعجيج الذي اكتنف ما سُمّي جنيف 3، انتهى إلى «الفاتحة» إياها.
وليس الأمر أنّ النظام الذي يمثّله الجعفري على قدر من البأس يمكّنه من سحب البساط هكذا، مخاطراً بانقلاب أقدام الرعاة عليه؛ بل الحال أبسط بكثير، وأشدّ وضوحاً من أن تخفي حقائقه تجاسر الجعفري على «الفاتحة» و»القرآن» و»صدق الله العظيم». ذلك لأنّ الأخير ـ بعد تسميته ممثلاً للنظام، ثمّ استبداله بوزير الخارجية وليد المعلّم، ثمّ إعادته ثانية إلى الواجهة ـ جاء محمّلاً بوصية واحدة من مولاه الأسد: هذا لعب في الوقت الضائع، فالعبْ ولاعبْ! ومن جانبه، لم تكن فراسة الأسد وعبقريته وحُسْن قراءته للمشهد السياسي، هي العناصر التي أتاحت له بلوغ هذه النتيجة، بل كانت موسكو قد باحت له بالسرّ، وأنّ التفاهمات الأمريكية ـ الروسية لا تريد من جنيف 3 هذا، أكثر من هذا: اللعب في الوقت الضائع.
ذلك لأنّ الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد باشر في حزم الحقائب التي سترافقه عند مغادرة البيت الأبيض، وهو لتوّه «بطة عرجاء» كما يقول التعبير الأمريكي الشهير في توصيف رئيس يختتم ولايته الثانية. وما دام قد صرف سبع سنوات تحت لواء عقيدته الشهيرة ـ التي قالت بإغلاق حروب أمريكا الخارجية، والامتناع عن فتح أية معركة في أية حرب جديدة ـ فإنه لن يخرق القاعدة الذهبية الآن، إذْ يودّع. وعلى نحو ملموس أكثر، إذا كان قد رأى المغنم كلّ المغنم في توريط خصمَين ستراتيجيين، إيران وروسيا، في حرب استنزاف مفتوحة على ساحة الصراع في سوريا؛ ورأى الحماقة كلّ الحماقة في كسر هذه المعادلة، ما دامت مخاطر المغانم الأمريكية المجانية قابلة لـ»احتواء» محسوب؛ فما الذي سيدفعه، اليوم، إلى مجافاة ما يلتزم به منذ انطلاق الانتفاضة السورية، في آذار (مارس) 2011؟
وفي مقابل هذه الـ»توراة» الأوبامية، لكي يتابع المرء غمزة الجعفري من القرآن؛ ثمة حاجة روسية ماسة إلى كسب الوقت، أو ملاقاة واشنطن عند نقطة اللعب في الوقت الضائع، لتحقيق سلسلة «انتصارات» عسكرية على الأرض، تنجزها الميليشيات الإيرانية بدعم من الطائرات الحربية الروسية، التي تمارس قصفاً كثيفاً شاملاً، وعشوائياً أعمى، في آن معاً. هذا مآل في وسع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن يتفاخر به على الملأ، كحصيلة روسية صرفة، دونما إشارة إلى أي دور يُنسب إلى ما تبقى من جيش النظام. وله، أيضاً، أن يلبّي رغبة زميله الأمريكي، جون كيري، في الضغط على، وتليين عريكة، معارضة سورية قررت ـ أخيراً! ـ الذهاب إلى محفل مفاوضات دولي، حاملة مطالب مشروعة لا تروق للرعاة الثلاثة معاً.
ولكنّ ما أخطأت، وتخطيء، فيه قاعدة أوباما ـ حول حدود الانفجار التي بلغها الملف السوري أصلاً، فكيف بـ»احتواء» مخاطره ـ تقتفي أثره أخطاء تكتيكات موسكو، التي غرقت بالفعل في المستنقع؛، وتبحث لتوها عن مخارج الأمر الذي يجعل تخرصات الجعفري تحصيل حاصل، ومحض أصداء جوفاء.