نظام الأسد والطنبور الفرنسي – صبحي حديدي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 7 juillet 2014

تردد مؤخراً أنّ وفداً يضمّ ثلاثة برلمانيين فرنسيين، هم كلود غواسكون وآلان مارسو وتيري مارياني، الأعضاء في حزب «التجمع من أجل الحركة الشعبية»، UMP، اليميني المعارض؛ يعتزمون القيام بزيارة إلى دمشق، ليس بهدف مساندة الدكتاتور أو نظامه (حاشا لله، فالسادة «ديمقراطيون» و»جمهوريون»!)، بل للتضامن مع «الأقليات السورية المهددة بالإبادة»، كما قيل. فإذا تجاسر الثلاثي، وقاموا فعلاً بزيارة دمشق والاجتماع مع بشار الأسد، أو ربما وليد المعلّم، أو حتى بثينة شعبان؛ فإنّ الخطوة لن تكون إلا صفحة جديدة في سجلّ انحطاط اليمين الفرنسي المعاصر، وربما على امتداد كامل العقود التي أعقبت انطواء المدرسة الديغولية.
هؤلاء الثلاثة هم، باديء ذي بدء، في عداد العناصر الأشدّ هوساً بالدعوة إلى التناغم، والتماهي، مع خطاب اليمين الفرنسي المتطرّف والعنصري والشوفيني، من جهة؛ وإنتاج، وإعادة إنتاج، نمط فرنسي مبتذل من فلسفة «المحافظين الجدد» في أمريكا، كما بشّر بها الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، من جهة ثانية. وكانت زيارة الأخير إلى سوريا ولبنان وإسرائيل، خلال سنة 2008، بمثابة تطبيق عملي لخيار الوقوف على ما تبقى من أطلال الديغولية؛ أو، بالأحرى، خرائب تلك الخرافة العتيقة التي سُمّيت، ذات يوم، بـ»السياسة العربية لفرنسا».
في بيروت اعتبر ساركوزي أنّ رئاسته ضامنة (مسرحية، أوّلاً، في الواقع، بدلالة تنفيذ الزيارة بعد انتخاب ميشيل سليمان، صحبة قادة الأحزاب السياسية الفرنسية + الروائي اللبناني الفرانكوفوني أمين معلوف!) للسلام الأهلي اللبناني وللمحكمة الدولية؛ فانتهت زيارته إلى ما يشبه إسدال الستار على فصل ناقص، نهايته معلّقة عند سلاح «حزب الله»، وجولة اجتياح بيروت في 7 أيار/ مايو تلك السنة. أمّا في دمشق، فإنّ التعاطي مع النظام وفق قاعدة «حوار على أسس واضحة، بشأن القضايا المشتركة»؛ انتهى إلى قصاصة ورق دسّها برنار كوشنر، وزير الخارجية الفرنسي يومذاك، في جيب وليد المعلّم، تتضمن لائحة بأسماء حفنة من المعتقلين السياسيين السوريين الذين ستبتهج فرنسا بإطلاق سراحهم!
في إسرائيل، بالمقابل، استطاب ساركوزي ربط الأمن بإقامة دولة فلسطينية ديمقراطية، ورأى أنّ وقف عمليات الاستيطان مشروط بوقف عمليات الإرهاب، كما أطلق للسانه العنان في التغنّي بالقِيَم الكونية الإنسانية التي تمثّلها إسرائيل، الدولة اليهودية. والحال أنّ أحداً لم يكن يضمن، إذْ لا أحد أصلاً يفقه، التعريف الإسرائيلي لمفردة «الإرهاب»؛ وبالتالي فإنّ ارتهان أية سيرورة بمقتضيات ذلك التعريف يجعلها بحكم المؤودة في المهد. كان لافتاً، كذلك، أنّ ساركوزي تحاشى السفر إلى رام الله، وفضّل لقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس في بيت لحم؛ لأسباب روحيةـ مسيحية كان محتماً لها أن تجبّ الأسباب السياسيةـ العلمانية، تلك التي اقتضت من ساركوزي زيارة مقرّ الدولة، قبل مهد السيد المسيح.
جاك شيراك، الرئيس الأسبق، ومؤسس مدرسة اليمين ذاتها التي خرّجت ساركوزي، لم يفعل ـ منذ تولّيه الرئاسة الأولى سنة 1995، وبعد خطبته الشهيرة في جامعة القاهرة، وزيارته الأشهر إلي القدس الشرقية حين تشاجر مع مرافقيه من عناصر الأمن الإسرائيليين ـ ما يفيد توطيد السياسة الديغولية تجاه العالم العربي؛ بل لعلّه جمّد النهج بأسره، وأسبغ عليه مقداراً من الشخصنة لا يليق بالسياسة الخارجية لقوّة عظمى.
المفارقة، مع ذلك، أنّ شيراك 2008، خارج قصر الإليزيه (الذي أعلن مقاطعة احتفالات فرنسا بالعيد الوطني لأنّ بشار الأسد سوف يكون على المنصّة، كما فُهم قراره ضمناً وليس تصريحاً)، هو نفسه شيراك 2001، شاغل قصر الإليزيه (الذي دعا بشار الأسد، ولم يكن الأخير يشغل آنذاك أيّ منصب رسمي، ما عدا رئاسة الجمعية المعلوماتية السورية!)، بترتيب مباشر من رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري!
وهكذا، لم يكن ساركوزي، ومثله شيراك، أوّل من راقص طغاة الشرق الأوسط، عموماً (من القذافي إلى حسني مبارك وزين العابدين بن علي…)، سواء في العقود الأخيرة من عمر الجمهورية الخامسة في فرنسا، أم في عقودها الوسطى (أوّل زيارة للأسد الأب تمّت في عهد فاليري جيسكار ـ ديستان، 1976، بعد أشهر قليلة على دخول القوّات السورية إلى لبنان). وإذا انتهى الأمر بالبرلمانيين الفرنسيين الثلاثة إلى زيارة نظام الأسد، فإنّ سجلّ الانحطاط سوف يستقبل تفصيلاً إضافياً روتينياً، ليس أكثر؛ فلا يُزاد في الطنبور القديم، الخاصّ بالرقصة إياها، إلا محض نغم جديد… نشاز، أصلاً!