سورية بعد سبعة أشهر مجيدة – عيسى الشعيبي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 18 octobre 2011

كم يبدو الزمن بتوقيت دمشق هذا اليوم مختلفاً عما كان عليه بالأمس، وكم تبدو المسافة مديدة بين تاريخ ما قبل الخامس عشر من آذار وما بعده. لكأننا الآن أمام عصرين، وقبالة صورتين متباينتين لشعب
فاجأ نفسه بنفسه، حين صنع ما بدا أنه المستحيل بعينه، قارب ضفاف المعجزات، وفل الحديد بدمه، أطلع الياسمين من قلب الصخر، وكتب النشيد الأجمل بين أناشيد هذا الربيع الطويل

ولا يقاس الزمن الذي دار، أخيراً وبعد لأي شديد، دورته الكاملة في جمهورية الخوف والإسكات والإذلال، بما هو عليه إيقاع الساعة في أي بقعة أخرى على الأرض. فقد توقف العقربان هناك في حماة قبل نحو ثلاثة عقود، فيما ظل جرس الإنذار يدق ملء الأسماع، ينبه الذاكرة ويومئ إلى الأمثولة القابلة للتكرار غب الطلب، ويكوي الوعي الجمعي بتلك السابقة التي بقيت محفورة كالوشم في الوجدان العام وفي الأفئدة

بهذا المعيار، فإن ما جرى في عموم الديار السورية على مدى هذه الأشهر السبعة الفارقات، يعتبر مجيداً وفق كل المقاربات. حيث انقضى عهد الخوف من الخوف دفعة واحدة، وتحطمت صورة النظام مرهوب الجانب في مرآة الناس، وتغير المشهد السوري وانجلى عن مضاء شعبي يجل عن كل وصف، عن عريكة لا تلين، وعن روح لم تنكسر تحت أشد حملات الترهيب والقتل، والاستباحة للحرمات والممتلكات والكرامات، بل وللحق في الحياة

على مدى هذه الأشهر انكشفت سائر عورات النظام، سقطت عنه ورقة توت المقاومة وكذبة الممانعة، وبان على جوهره الطائفي كحلقة في السلسلة الممتدة على طول الهلال ذاته، ثم مضى إلى حتفه بعينين مفتوحتين وهو يستخدم الجيش كآخر ورقة في جعبته، رافضاً الإصغاء إلى كل نصيحة، ممعناً في الإنكار وتجاهل حقائق الواقع، متعالياً على الاتعاظ بما آل إليه من كان حالهم يماثل حاله

غير أن أشد ما انطوت عليه هذه الأشهر المجيدة من متغيرات، ماثل في فقدان النظام القمعي المتوحش في دمشق للشرعية بكل مسمياتها وتنويعاتها، بما في ذلك الشرعية الأخلاقية، ثم دخوله في طور مديد من العزلة التي أخذت تشتد يوماً بعد آخر، وتضرب عليه أطواقاً من النبذ والتهميش، حداً لم يعد فيه مسؤول عربي يرفع سماعة الهاتف مع أي من أركان النظام، أو زائر يعتد به يحط في العاصمة السورية

وإذا كان من الصحيح أن النظام المنفلت من عقاله ما يزال متماسكاً إلى اليوم، فإن من الصحيح أيضاً أن الثورة السورية قد اجتازت نقطة اللاعودة، وراحت تراكم عناصر قوتها مع مرور الوقت، وتكسب مزيداً من الأرض السياسية، وتنبري لخطابه المتهافت من على كل منبر ببلاغة، لتسحب المزيد من عناصر شرعيته المتآكلة، وتبني بالمقابل شرعية مستمدة من حراك شعبي متعاظم، وتشجيع عربي في طور الاكتمال، ودعم دولي بروافع اقتصادية قانونية سياسية متنامية

وليس من قبيل المبالغة القول، إن ما يبديه النظام العائلي المافياوي من مظاهر قوة فائضة، ومن تمترس شديد وراء حلوله الأمنية العقيمة، هو في واقع الأمر دلائل ضعف ومظاهر عدم ثقة بالنفس، تتلحف بالعناد الطفولي وتتدثر بالمكابرة الزائفة، ببرهان هذه التطمينات التي يعطيها لنفسه بأن الأزمة باتت وراء ظهره، وبتحصيل حاصل هذه التهديدات الرعناء التي يطلقها المفتي المكلوم بولده ضد أميركا، ناهيك عن تقولات المعلم بشطب أوروبا عن الخارطة، وعن عزمه اتخاذ عقوبات مشددة إزاء كل من سيعترف بالمجلس الوطني السوري
فهل بعد كل هذا الذي جرى خلال سبعة أشهر لا مثيل لها في تاريخ سورية الحديث، من يجادل أن النظام الجملوكي قد فقد رشده، خسر نفسه ومسوغات بقائه، وأن الثورة الشعبية السلمية، التي قدمت كل هذه التضحيات العظيمة، وأبلت أحسن البلاء في الدفاع عن الحق في الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية، قد شارفت عتبة انتصار، قد يطول بعض الوقت، إلا أنه محقق بدون أدنى ريب؟

الغد –  15/10/2011

http://www.alghad.com/index.php/afkar_wamawaqef/article/27235.html