فواز طرابلسي عن واقع الثورات العربية وقوى الثورة المضادة – عمر الأسعد
لقاءان متتاليان نظمتهما جمعية سوريا حرية باللغتين الفرنسية والعربية مع الكاتب والأكاديمي اللبناني فواز طرابلسي، حول واقع الثورات في العالم العربي والثورة السورية خاصة، وما يحيط بها من صراعات سياسية وظهور تيارات قوى الثورة المضادة. أدار كلا اللقائين الناشر السوري فاروق مردم بيك
استعرض طرابلسي في البداية واقع الوضع الاقتصادي والاجتماعي في دول العالم العربي، معتبراً أن ارتفاع نسب البطالة وبالتحديد بين الشباب، وتدني مستوى المعيشة والخدمات المقدمة للمواطنين، يضاف إليها سوء التخطيط واتباع سياسات اقتصادية نيوليبرالية وما تبعها من فساد وإفساد، كانت من بين العوامل الاقتصادية الأقوى التي دفعت الشارع العربي للانفجار في ثورات متلاحقة شهدتها كل من تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا
كذلك ربط صاحب « الديمقراطية ثورة » بين هذا الواقع الاقتصادي وبين نوعية الشعارات التي طرحتها حركات الاحتجاج في الشارع وعلى رأسها « العمل والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. » معتبراً أن الدول الأكثر ضيقاً من الناحية الاقتصادية والتي شهدت زيادة مضطردة في الفروقات الاجتماعية، وضربت اقتصاداتها الانتاجية لصالح اقتصاد ريعي ومالي، وتلك التي حكمتها أنظمة استبدادية من الناحية السياسية كانت مؤهلة أكثر من غيرها لاندلاع الثورات وهو ما شهدناه لاحقاً، حيث اندلعت الثورات في دول مثل مصر وتونس واللتان احتلتا في عام 2010 المراتب الأولى كأفضل الدول التي طبقت نصائح وخطط صندوق النقد الدولي، كذلك في ليبيا التي كانت تحتكر فيها عائلة القذافي ثروة تعادل 162 مليار دولار وتتحكم بالسلطة طيلة 42 عاماً، فيما حكم علي عبد الله صالح اليمن لمدة 34 عاماً واحتكر ثروة 61 مليار دولار في بلد يعتبر من الدول الأشد فقراً في المنطقة العربية
هذا النمط من الفساد الاقتصادي التقى مع ديكتاتورية استبدادية حكمت البلاد العربية، وتبدو سوريا هنا المثال الأبرز من بين الدول العربية، حيث تم توريث « الجمهورية » للأسد الابن مباشرة بعد رحيل أبيه في سابقة خطرة في المنطقة العربية
وانتقد صاحب « تاريخ لبنان » و »حرير وحديد » من يتهمون الثورات العربية بفقدان المشروع، موضحاً أن مشروع هذه الثورات شديد الوضوح من خلال شعاراتها التي تركزت على مطالب « الحرية والكرامة والعمل والعدالة الاجتماعية. » معتبراً أن هذه الثورات لا تختلف عن أية ثورات أخرى في التاريخ من حيث احتوائها على عناصر مركبة ومختلفة داخلها، مؤكداً أنه لا يمكن أن يكون هناك ثورات بقوى وحيدة ومركزية، إنما التنافر والتركيب هو خاصة أساسية للقوى السياسية والاجتماعية أثناء الثورات عموماً
كما انتقد طرابلسي في حديثه سياسات الأنظمة الخليجية اتجاه الثورات في العالم العربي، معتبراً أنها حاولت دائماً استيعاب القوى المناهضة للثورات في مختلف الدول التي شهدت انتفاضات متلاحقة، كما أنها دعمت قوى الثورة المضادة في هذه الدول وساهمت في تقوية مواقع هذه القوى في مختلف دول الربيع العربي، ما ساهم بدوره في إقصاء القوى الأكثر تحررية وجذرية في موقفها من الأنظمة
إلى ذلك استعرض طرابلسي جزءاً من ظاهرة السلفية الجهادية وانتشارها في المنطقة، محاولاً أن يقدم مجموعة من الأفكار حولها، خاصة من حيث ربط الظاهرة الجهادية بسوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وانتشار البطالة بين الشباب، معتبراً أنه لا يمكن فهم أو دراسة هذه الحركات وتفسيرها بالدين، بقدر ما هو مطلوب دراستها وتفسيرها بما هو دنيوي وواقعي وملموس، وهنا تأتي أهمية العامل الاقتصادي إضافة إلى الاستبداد السياسي وعنف السلطات في مواجهة ثورات الربيع العربي والتحاق مجموعات من الشباب بحركات السلفية الجهادية، مذكراً أن الظاهرة الجهادية لم تبدأ في دول العالم العربي، إنما بدأت مع الحرب السوفيتية في أفغانستان، ويومها تلقى من عرفوا « بالمجاهدين العرب » الدعم من أميركا ودول الخليح، وكانت حرب العراق عام 2003 هي نقطة تحول في عمل الجهاديين وتمركزهم في المنطقة العربية
من جهة أخرى تحدث صاحب « وعود عدن- رحلات يمنية » حول دور الشباب وقوى المجتمع المدني في الثورات العربية، منتقدأً من يعتبرون أن نموذج « ميدان التحرير » هو « الموديل » الذي يجب على الثورات إنجازه أو أنه المكان الذي تختصر به الثورات، واعتبر أن الدليل الأكبر على خطأ مثل هذه التصورات هو استمرار الحراك الثوري والصراع ما بعد ميدان التحرير في مصر وباقي دول الربيع العربي، واعتبر طرابلسي أن الثورات العربية طرحت تغييراً جذرياً في بنى وواقع المجتمعات وتركيبة سلطتها وأن القوى الشابة استطاعت أن تؤدي دوراً مميزاً في هذا السياق، لكن عدم انتظامها وتنظيمها سياسياً كان من معوقات استمرارها وقدرتها على حصد نتائج سياسية مرضية، وانتقد في مجمل حديثه الدور الذي تؤديه جمعيات المجتمع المدني اليوم في العالم العربي، خاصة من ناحية استقطاب جهد الشباب وتوجيهه خارج السياسة إلى قضايا هي في العمق سياسية لكن يتم طرحها منفصلة عن واقعها السياسي من خلال منظمات المجتمع المدني
كذلك استعرض طرابلسي الأوضاع السياسية الإقليمية في العالم العربي، خاصة مع بروز قوتين إقليميتين هما تركيا وإيران اللتان تريان في المنطقة العربية مجالاً حيوياً لنفوذهما في ظل غياب أي مشروع عربي، وضمن هذا المناخ الإقليمي من التجاذبات إضافة إلى وجود إسرائيل شهدنا قدرة إيران على السيطرة على قرار أربع عواصم عربية على التوالي، ما رفع من منسوب الاحتقان في المنطقة. ودفع المجتمع الدولي إلى التعاطي معها كقوة إقليمية رئيسية