الائتلاف ونماذج المرض العضال – صبحي حديدي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 20 juillet 2014

عند نبش بنية «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» في مستوى السطح فقط ودونما حاجة إلى الحفر العميق، يسهل على المرء استنباط ثلاثة نماذج معيارية تشكّل هرم «القيادة»؛ كما أنها، استطراداً، تعكس تمثيلات «القواعد»، إذا جاز الحديث عن وجود هاتين الفئتين فعلياً، وأصلاً!
نموذج أوّل، لعله الأكثر طفواً على ظاهر الوقائع الائتلافية، هو الذي كان ـ قبل الانتفاضة، وخلال أشهرها الأولى ـ حائراً في أمره، بين تفضيل الأمر الواقع (وبالتالي السير في ركاب النظام، مباشرة أو مواربة)؛ وبين الحماس للانتفاضة لأنّ تباشيرها كانت تدغدغ أحلامه، وتعد بتلبية مصالحه، أو تُنذر بأنها لن تمسّ تلك المصالح في أقلّ تقدير. امتيازه، مع ذلك، كان سمة التذبذب التي يتمتع بها، وتتيح له أن يصبح صديقاً للنظام، وحلفاء النظام؛ وللمعارضة التقليدية، وتلك الشبابية الناشئة؛ للعلمانيين والإسلاميين، ولليسار واليمين والوسط، على حدّ سواء؛ وأن يغيّر شبكات ولائه وتحالفاته، بين ليلة وضحاها، بمرونة وشطارة، وبانعدام حياء أيضاً!
نموذج ثانٍ كان قبل الانتفاضة «معارضاً» محترفاً، بمعنى أنه اعتُقل لهذا السبب أو ذاك، سنة أو سنتين أو أكثر؛ ثمّ بنى على ذلك الاحتراف صيتاً يمكّنه من امتطاء ظهر الانتفاضة، والصعود قفزاً إلى المراتب القيادية العليا في مؤسسات المعارضة الخارجية، من المجلس الوطني إلى الائتلاف، مروراً بسلسلة منابر وهيئات ومحاور وجبهات. ولأنه «صاحب مواقف» سابقة، كما يزعم عن نفسه ويروّج لشخصه، فإنه مرخَّص ذاتياً بتغيير المواقف كيفما شاء، متى شاء؛ هو القابض على بوصلة الصواب، وحامل صولجان الحقّ. فإذا فاز، أو أي من حلفائه ورجالاته، في انتخابات؛ أو تصدّر المشهد، في مفاوضات أو مؤتمرات، فإنّ الائتلاف بخير وعافية، و»انتصار الثورة» آت خلال أسابيع. أمّا إذا وقع العكس، فإنّ جام غضبه لا ينصبّ على المؤسسة وحدها، بل على بعض حوارييه وحلفائه في الأمس القريب!
النموذج الثالث، وهو المأساوي أكثر من نظيرَيه، هو ذلك الناشط الذي ظلّ في قلب الانتفاضة الشعبية، داخل البلد، يشارك ليلاً في صياغة الشعار الذي سيتظاهر خلفه نهاراً، وينخرط في التنسيقيات وأشكال عمل المجتمع المدني، على غرار انخراطه السابق في مختلف تكوينات المعارضة الكلاسيكية… حتى قرّر، أو أَجبر على، مغادرة سوريا والانضمام إلى مؤسسة الائتلاف. ولا عجب، عندها، أن ينقلب هذا الناشط/ المناضل إلى أداة بيروقراطية، رهينة أحابيل المؤسسة، يخضع لاشتراطاتها حتى حين تسير على نقيض مبادئه وقناعاته. ولا عجب أن يكون التعبير الثاني عن سقوطه في الأسر، هو انغماسه في الأسفار والمؤتمرات والملتقيات، يسكن الطائرة والفندق أكثر من مبيته في بيته.
وليس جديداً، بذلك، أن تسفر أية انتخابات جديدة، ضمن أيّ من مكاتب الائتلاف، عن سلسلة من الفضائح المشينة، والتراشق اللفظي، وتبادل الاتهامات. فليست الحصيلة، في نهاية المطاف، إلا عاقبة الأخطاء الفاحشة في السياسة والتنظيم والتمثيل، وفي الفساد وسوء الذمة، ومحاكاة سلوك النظام ذاته الذي يزعمون العمل على إسقاطه؛ فضلاً، بادىء ذي بدء، عن جوهر مرض عضال: عجز مزمن عن التقاط روح الشعب السوري، وتخلّ فاضح عن مطالبه وأهدافه، وإخلال مشين بالحدّ الأدنى من الوفاء لتضحياته.