عن «اختبار صيدنايا» وتداعياته على الثورة وسوريا: تنظيم الإسلاميين وبروڤة أولى لصراع أهلي – فراس سعد

Article  •  Publié sur Souria Houria le 10 janvier 2014

ببرودة أعصاب ولامبالاة غير مسبوقة في التاريخ، قامت أجهزة الأمن الأسدية ابتداء من سنة 2005 بتنفيذ برنامج تدريبي عملي لإعداد إسلاميين جهاديين كجزء من اختبار أكبر لصراع أهلي محتمل، مكان الاختبار هو معتقل صيدنايا العسكري شمال غرب دمشق.

تمّ تسليم السجن للمعتقلين الإسلاميين بالتدريج ابتداء من الاستعصاء الأول (27 آذار 2008)، ثم لاحقاً وعملياً بعد الاستعصاء الثاني (5 تموز 2008) تمت العودة إلى الفصل، لكن الإسلاميين كانوا ينتقلون من طابق إلى آخر بواسطة التسلق على الحبال داخل مجاري التهوية.

تجربة صيدنايا توفّر مادة بحثية ضخمة لعلماء الاجتماع وعلماء النفس والسلوك وللاختصاصيين في الحركات الإسلامية، كونها مختبراً حياً لأعضاء هذه الحركات ولمدنيين يجري تأهيلهم ليصبحوا جزءاً من هذه الحركات.

البرنامج قام على حشد مئات المعتقلين الإسلاميين، ومعتقلين أبرياء تمّ زجّهم في السجن بغاية أسلمتهم بعد ضغط نفسي وجسدي استمرّ سنوات.

ولم يكن معتقل صيدنايا فقط مكاناً لهذا البرنامج التدريبي، الذي ربما كان تحت إشراف يتجاوز إشراف الأمن السوري، فلقد كان أيضاً مكاناً لتنظيم الحركات الإسلامية العنيفة التي ظهرت خلال الثورة والحرب السورية الأخيرة، أهمها بقيادة زهران علوش قائد جيش الإسلام، وحسان عبود (أبو عبد الحموي) قائد حركة أحرار الشام، وأحمد عيسى الشيخ (أبو عيسى) قائد صقور الشام1، وأخطرهم نديم بالوش الذي ظهر دوره في شمال اللاذقية في خطف ضابط من الجيش الحر من تركيا وقتله، وفي قتل أبو بصير اللاذقاني، وفي موضوع اللعبة باتهام المعارضة بقصف الكيماوي (حيث حاول النظام بالتعاون مع المخابرات الروسية الترويج لمعلومات خطيرة بأن الذين استخدموا الغاز الكيماوي في الهجوم على الغوطة هم من كتيبة الريح الصرصر بقائدها نديم البالوش، ويعرض فيديوهات ملفقة على اليوتيوب محاولاً إثبات ذلك). وكان سجن صيدنايا مكاناً لاختبار صراع أهلي مصغّر يرافق ويسبق إعلان دولة إسلامية داخل السجن هي الأولى من نوعها في تاريخ سورية الحديث.

بعد مقتل وفيق الحريري في ذلك العام، 2005، كان على النظام السوري المتهم بجريمة القتل أن يقوم بعملية تلاؤم لينجو من العقاب، فأعاد إثر ذلك إعادة تموضعه تجاه قضيتين أساسيتين في المنطقة: الحرب على الإرهاب، ولبنان. قام بالانسحاب من لبنان بسرعة بعد أمر أميركي واضح وحاسم لبشار الأسد. أما بالنسبة للحرب على الإرهاب، فقد تعهّد أحد أهم ضباط الأسد للأميركان بالقبض على عناصر القاعدة السوريين وغير السوريين، العائدين إلى سورية أو الذاهبين عن طريق حدودها إلى العراق. لقد كان النظام الأسدي موفقاً في مسألتين تبدوان متناقضتين، ولكنهما في الحقيقة متكاملتان: تصنيع الإرهابيين من جهة، وملاحقتهم والقبض عليهم من جهة ثانية، وذلك بحسب المتطلبات الإقليمية والدولية ما بعد الحرب الباردة.

هكذا زجّت أجهزة الأمن بمئات الشبان والأطفال الأبرياء في الفروع الأمنية بدون اتهامات أو باتهامات سخيفة، وأوحت لهم وللمجتمع الذي ألقي فيه القبض عليهم أنهم إرهابيون وإسلاميون خطيرون. وتعطي عمليات القبض الصاخب هذه إيحاء للأميركان أن النظام الاسدي ملتزم بتعهّده بمحاربة الإرهاب. وهي إن كانت تقدّم فروض طاعتها للأميركان في عملية مكافحة الإرهاب، فقد كانت في نفس الوقت –بمعرفتهم أو بجهلهم– تقوم بتهيئة أفواج جديدة من الإرهابيين ليتم استخدامهم لاحقاً في أماكن أو أوقات يحددها النظام، وهو ما بدا مناسباً مع بداية الثورة السورية حيث تمّ إطلاق سراح ما يقرب من ألف إسلامي من صيدنايا والفروع الأمنية داخل سورية، وبعضهم لم يكمل مدة حكمه بعد.

«برنامج صيدنايا» أو «اختبار صيدنايا» إذا جاز التعبير يشمل في جزء أساسي منه اختباراً لصراع أهلي بين التنظيمات الإسلامية نفسها، صراع فكري وسياسي وعملي، وصراع مفاوضات، وكان من ضمن ذلك عملية انتخابات حقيقية وديمقراطية ربما تجري لأول مرة في تاريخ سورية الحديث خارج سلطة النظام، وكذلك صراع تفاوضي وسياسي مع النظام، أو أجهزة الأمن بالأصح (هذا ما ظهر في المفاوضات التي جرت تمهيداً للخروج من صيدنايا بين لجنة من تسعة قياديين إسلاميين وبين لجنة من النظام، دامت يومين وانتهت بإعلان الخروج من صيدنايا).

الصراع الأهلي داخل سجن صيدنايا جرى بين كل العناصر الإسلامية المتعددة الآراء والتوجهات والمسالك، ابتداءً من السلفيين بأنواعهم الثلاثة (الدعوي، الجهادي، التكفيري)، وانتهاءً بحزب التحرير الإسلامي والأكراد وقليل من بقايا الإخوان المسلمين، إضافة لاشتماله بشكل أساسي على عناصر القاعدة (حوالي 300 عنصر) وفلسطينيين إسلاميين وتنظيمات إسلامية عنفية صغيرة (جند الشام، فتح الإسلام).

في البداية استطاعت هذه المجموعات والتنظيمات التعايش بتجاور بسلام، رغم أن مختلف أنواع المقاطعة العملية والصراع الفكري قائم بينها سراً. تطور الموقف بعد الاستعصاء الثاني الشهير(5 تموز 2008) وقبيل الاستعصاء الثالث (6 كانون أول 2008) حتى ظهرت أنواع الصراع الفكري والمقاطعة العلنية وصولاً إلى التكفير والتكفير المتبادل.

الجزء الثاني من برنامج صيدنايا كان لاختبار إعلان دولة إسلامية وتأسيس حكومة إسلامية فيها ما يشبه ضباطاً مسؤولين عن الدفاع والأمن ووزارء للصحة والإعاشة والتموين، ومحكمة شرعية داخل السجن، وهو ما جرى في الاستعصاء الثالث تحت اسم «دولة صيدنايا الإسلامية» التي أعلنتها القيادات المتشددة في صيدنايا، وكانت بنظر معظم هؤلاء المنطلق لإعلان الدولة الإسلامية في سورية وبلاد الشام، كما أظهرت ذلك الشعارات التي كُتبت على جدران المعتقل الكبير، وتحول السجن إلى ما يشبه أرض معركة محفورة الخنادق، وسدّت المنافذ بأكياس الرمل خوفاً من قناصات النظام (التي قتلت في اليوم الأول من الاستعصاء الثالث 4 أو 5 معتقلين)، وكانت بعض الأجنحة قد تحولت بعد الاستعصاء الثاني إلى أمكنة للتدريب الرياضي والعسكري، وظهرت البدلات العسكرية المرقطة واللباس الإسلامي والسيوف والخناجر وجلسات العلم والدروس وحلقات ضوابط التكفير.

تنفيذ البرنامج

اتبعت أجهزة النظام إجراءً تضمن فيه تحويل مدنيين أبرياء إلى إسلاميين متشددين، وفي حالات عديدة يحملون فكراً تكفيرياً، وبالتالي يتحولون إلى إرهابيين؛ كل ذلك جرى ببطء خلال سنتين أو ثلاث سنوات، لكن بفاعلية.

بدأ البرنامج بالقبض على أطفال وشبان صغار بحجج متفاوتة في سخافتها، مثل شريط لشيخ إسلامي أو كتاب أحاديث نبوية، وهي أشياء متوفرة في كل مكان من أسواق دمشق الرئيسية، ولا سيما في شارع الحلبوني وشارع البحصة وسط العاصمة وفي معظم المكتبات في دمشق وبمعرفة النظام (سئل أحد الضباط عن السبب وقال إنها كانت فخاً للشباب). البعض من هؤلاء الشبان قبض عليه في أماكن السهر والرقص، واتهم لاحقاً بأنه سلفي أو جهادي، علماً أن معظم هذا القسم لا يصلي. أحد الشبان من هذا القسم لم يمسك القرآن يوماً، ولم يعرف القراءة، لكنه أصبح في السجن أميراً إسلامياً، (قيل إنه قتل في الاستعصاء الثالث داخل السجن). في العموم تمت تصفية بعض الأشخاص الذين استخدمهم النظام في أشياء خطيرة ومحددة، مثلما قتل شخصاً أو اثنين استُدعيا من سجن صيدنايا للقاء لجنة التحقيق الدولية بقضية اغتيال الحريري، وجرى اللقاء في أحد الفنادق في دمشق.

وضعت إدارة السجن أطفالاً من عربين وجوبر لم تتجاوز أعمارهم الخامسة عشرة مع عتاة الإسلاميين، أمثال حيدر الزمّار مساعد بن لادن في الشيشان وأبو حذيفة الأردني المحكوم بالإعدام في الأردن لأعمال إرهابية وإبراهيم الظاهر أمير الأنبار في تنظيم القاعدة في العراق وإبراهيم الشعفاطي منسق تنظيم القاعدة في العراق. وجرى خلط مدنيين مع عناصر القاعدة، القادمين من معارك في العراق للعلاج في سورية أو في استراحة بين جولتي قتال أو عائدين إلى منازلهم وذويهم، إضافة لأقلية من بقايا الإخوان المسلمين ولعدد من السلفيين الجهاديين وعناصر جند الشام وفتح الإسلام وكامل أعضاء حزب التحرير الإسلامي.

البدء في عملية التهيئة

1) تبدأ التهيئة منذ الفروع الأمنية بالضغط النفسي والجسدي، حيث يتعمّد السجّان شتم الأعراض وإهانة الكرامة وشتم الله والإسلام والرسول، إضافة للجوع والعطش والمنع من الحركة أو رفع الصوت أو تبادل الأحاديث في مجموعة لا تزيد عن اثنين، والنوم «تسييف» (أي بمحاذاة بعض بسبب ضيق المساحة عن جميع أجساد النائمين)، إضافة للإهانة بشكل مستمر وللتعذيب أثناء التحقيق، وبالطبع يمنع أي اتصال بالعالم الخارجي ويجري تصعيد الشعور الطائفي، فالسجّان يجب أن يكون علوياً أو درزياً غالباً، بحيث تدلّ عليه لهجته القروية التي يتعمّد إظهارها، كما درج بقية السجانين على تقليد هذه اللهجة (العلوية) كي يوحوا للسجناء أنهم علويون، وبالتالي يحدث التأثير المطلوب (الشعور بالتمييز والاضطهاد الطائفي).

2) يُنقل هؤلاء المعتقلون المتهمون بتهم إسلامية إلى معتقل صيدنايا، ويتم جمعهم لاحقاً مع إسلاميين عاديين أو مقاتلين قادمين من العراق، وهنا تبدأ عملية تفاعل بحيث يتم التشارك بالشعور بالظلم ويتم التوسّع وتعميق وشرح الشعور بالاضطهاد الطائفي، من «النظام العلوي» بدلالة السجّانين العلويين، ودلالة التهم الإسلامية للمعتقلين، ومن ثم تلقائياً بعد أن تسود وحدة الحال بين الجانبين يتم التزام الوافدين الجدد بالصلاة والصيام بفعل الشعور بتفوق الإسلاميين عليهم، فهم معتقلون سابقون أو مقاتلون في العراق وأفغانستان، أو تتم دعوتهم للصلاة والالتزام ببقية الشعائر الدينية من صيام الاثنين والخميس وآداب الإسلام العامة في الطعام والجلوس وسنن الصلاة وحفظ القرآن…

3) ردود الفعل عند هؤلاء المعتقلين الأبرياء تتفاوت بين ردّين أو موقفين:

الأول: الابتعاد عن الإسلاميين مع الالتزام بالصلاة الفردية دون الصلاة الجماعية، التي كانت ممنوعة في صيدنايا في زمن علي خير بك، ومع قراءة القرآن لأنه لا يوجد كتب أخرى سواه، فبعد الاستعصاء الثاني منع الإسلاميون الكتب غير الدينية عن أجنحتهم فلم تعد تجد سوى القرآن وكتب الحديث (في فترة ما قبل الاستعصاءات كان هناك كتب قليلة، منعها الإسلاميون بعد الاستعصاء الثاني، وفي الاستعصاء الثالث أحرقوا المكتبة الضخمة في السجن حيث استخدمت الكتب في عملية التدفئة والطبخ). يحافظ المعتقلون الجدد على مسافة بينهم وبين الإسلاميين طوال عام أو عامين أو أكثر، إلى أن يحين موعد الحكم حيث تزول تلك المسافة بالنسبة لمن يُتهمون ويُحكمون بتهم إسلامية، أما من يُبرّأ من هذه التهم فيبتعد أكثر عن الإسلاميين.

الثاني: ينجذب بعض المعتقلين الجدد إلى الإسلاميين، أغلب هؤلاء من الأطفال والشبان أو السذّج أو الذين لا خبرة لهم في الحياة أو بسبب عدم توقعهم لمخاطر هذا الانجذاب. فباعتقادي أن كل من ينجذب إلى الإسلاميين كان يتم اتهامه لاحقاً بتهم إسلامية، لأن المخابرات تتأكد من ميوله الإسلامية بحيث يمكن تدجينه في إحدى هذه التيارات، لقد تمّ «ضبط» العديد من هؤلاء في دروس دينية عبر تقارير «عواينية» من السجن الغاية منها مضاعفة أحكامهم أو لوضعهم أمام الأمر الواقع وتشجيعهم على هذا الطريق الذي يرغبون به سراً ولا يتجرؤون على إعلانه، فيضطر هؤلاء لإعلانه بعد أن تدري به المخابرات، ويصدر الحكم بالثمن الذي يجب أن يدفعوه مقابل خيارهم، فلا يبقى لديهم ما يخسرونه! بعض هؤلاء الأطفال الساذجين، وبعد أن تتم عملية غسل لعقولهم البسيطة من قبل أمراء أو مقاتلين في القاعدة، كانوا يرتدون أحزمة ناسفة في بعض الأجنحة الإسلامية في السجن على مرأى ومسمع الجميع، ولا سيما بعد الاستعصاء الثاني حيث كان كل شيء مباحاً وعلنياً تقريباً.

4) التهيئة في معتقل صيدنايا: استمرت هذه الأمور بالتزامن مع استمرار الضغط النفسي والمعاشي. فالطعام سيء رغم كونه أفضل منه في الفروع الأمنية، وتم منع «الندوات» وتأجيل المحاكمات وقطع الكهرباء والماء وقمع رفع الصوت والضغط عبر المخبرين ورؤساء المهاجع الذين أعلن عنهم صراحة مدير السجن علي خير بك. فقد كان الأخير، كسلفه مدير السجن السابق لؤي يوسف، يتبع سياسة الفتنة بين المعتقلين، فيصف المدنيين غير الإسلاميين بأنهم زنادقة وفاسدون، ويقول للمدنيين إن الإسلاميين سوف يقتلونكم لأنكم بنظرهم كفار.

5) جرى الاستعصاء الأول في صيدنايا بضغط واضح من مدير صيدنايا علي خير بك، حيث قطع الماء والكهرباء عن أحد الأجنحة لعدة أيام، وحين حاول السجناء سرقة الكهرباء دخل نائب مدير السجن (أديب) وشتم أعراض المقيمين في ذاك الجناح الإسلامي وشتم الله، مما جعل السجناء الإسلاميين يدقون الأبواب، وانتهت المشكلة، لكن مدير السجن علي خير بك في اليوم التالي بدأ بمعاقبة هذا الجناح وشتمهم، الأمر الذي أدى إلى الانتفاضة الأولى في صيدنايا.

6) عند الحكم على هؤلاء المعتقلين المدنيين الأبرياء بأحكام وتهم إسلامية، تصل بين سلفي دعوي، سلفي جهادي، سلفي تكفيري، قاعدة، إخوان مسلمين…، يتغيّر سلوك هؤلاء وتزول آخر حاجز بينهم وبين قدامى الإسلاميين والأمراء والمقاتلين. فالأمل الذي كان لديهم بالبراءة والخروج من المعتقل يتبخّر، ويقول الواحد منهم لنفسه: «طالما النظام يريدنا أن نكون سلفيين فسوف نصبح سلفيين، ليس لدينا ما نخسره بعد الآن»، كل واحد يقول لنفسه هذا القول بحسب التهمة التي يُتهم بها. فيبدأ الإسلاميون المحترفون بلعب دورهم المنتظر الذي لم يتمكنوا منه قبل الحكم على هؤلاء الأبرياء، فيبدؤوا بدروس الدين بشكل علني أو شبه علني، وتبدأ دروس «ضوابط التكفير».

7) يمكن أن نفترض نظرية في النهاية هي باختصار كالتالي: من المحتمل أن يكون الضغط وتفجير الاستعصاءات سببه الانتهاء من التهيئة العقائدية الإسلامية لأعداد ودفعات من المعتقلين، أو عكسها؛ أي عدم تحقق الاستجابة المطلوبة من الدفعات المقرّر تحويلها إلى اعتناق الفكر الإسلامي المتشدّد، حيث يلجأ النظام عندها إلى تفجير الاستعصاء فيعرّض هذه الدفعات لمزيد من الضغط تدفعهم تحت الرصاص والموت والاشتباكات مع الشرطة وقوات الأمن إلى تبني النهج الإسلامي العنفي، وبالنسبة لمن انتهت تهيئته الفكرية والعقائدية كانت الاستعصاءات تدريبات بالذخيرة الحية على الجهاد والقتال بأدوات بدائية ضد النظام، استعداداً للخروج من السجن والانتقال إلى الجهاد الفعلي. نشير هنا إلى أن عدداً من أمراء وقيادات إسلامية مهمة تمّ سحبها من سجن صيدنايا من قبل المخابرات العسكرية، ولم يُعرف مصيرها حتى هذه الساعة، وهم الأردنيان إبراهيم الظاهر (أمير الأنبار في تنظيم القاعدة العراق) وسامي عبد الدايم (المتهم بالانتماء إلى تنظيم القاعدة)، والفلسطيني إبراهيم الشعفاطي (من تنظيم القاعدة في العراق)، والسوريون الثلاثة فؤاد النعال (قاعدة) ومحمد كيلاني (سلفي) وحسن صوفان (سلفي).

خاتمة الثورة، هل هي من جنس خاتمة صيدنايا؟

الاعمال بالخواتيم: كنا في صيدنايا نعتقد لشهور أن النظام سيسقط ابتداءً من المعتقل، وأذكر أن أحلام يقظة، عدا عن أحاديث يومية محورها الخروج من السجن واقتحام المراكز الهامة للنظام في العاصمة، كانت تسيطر على كثيرين في المعتقل!

في المقابل، كانت خاتمة تجربة صيدنايا من أسوأ الخواتم الممكنة، فبعد الحرمان والجوع والبرد والمرض وإهانة الكرامات والتعذيب في المنفردات، وبعد الفوضى والاقتتال داخل السجن بين الأجنحة المتشددة والأقل تشدداً، التي كانت ترفض الخروج من السجن وترفض السماح لأحد بالخروج منه باعتبار الخروج هزيمة لها وانتصاراً للنظام، أو خوفاً من الإعدام بعد تورطها بقتل عناصر من النظام أو من المعتقلين المتهمين بالتعامل مع المخابرات، وبعد مقتل ما لا يقل عن 170 شخصاً بين معتقل وشرطي وضابط وعنصر مكافحة شغب، وبعد دولة صيدنايا الإسلامية والحكومة الإسلامية بعَسَسها وأمنها ورقابتها على السجناء غير الإسلاميين خصوصاً، وبعد الانتخابات داخل السجن والمفاوضات بين اللجنة والنظام، بعد كل ذلك كانت النتيجة الخروج من المعتقل، وهو كان مطلب 90% من المعتقلين، مجردين من كل شيء باستثناء لباسنا الذي نرتديه، والانتقال إلى سجن عدرا، ومقتل من تبقى من المعتقلين الإسلاميين بعد معركة كرتونية بالبواري والخناجر مقابل رشاشات النظام وألغامه ودباباته، مع خروج عدد مهم بصفقه مع المخابرات، أشهرهم نديم بالوش (وهو الشخص الذي كان يكفّر كل سجين يريد الخروج من صيدنايا!) والذي خرج بالاتفاق مع آصف شوكت كما قيل استعداداً لطلبهم عند الحاجة، وهو ما حدث لاحقاً.

وبعد ستة أشهر عدنا إلى صيدنايا لنفترش الأرض كما الصيصان في مهاجع صُفّحت بالحديد، ومُنعنا لمدة شهر من كل شيء كعقوبة لنا وخوفاً من إعادة تجربة التمرّدات الثلاثة، حيث تمّ ثقب جدران معظم المهاجع في الاستعصاء الثاني.

كان تمرّد صيدنايا لصالح النظام بالكامل آخر الأمر، فقد عاد المعتقلون من عدرا ليبدؤوا مشوار الاعتقال في المعتقل من الصفر، كأنهم يدخلون المعتقل لأول مرة، وهم بذلك يحتاجون لسنوات عديدة ليحصّلوا مكتسبات كانت بديهية قبل الاستعصاء الثاني، ولقد كانت النتيجة من ناحية المعتقلين الخسارة الكاملة لجزء من حرياتهم ولكامل مكتسباتهم التي دفع ثمنها أفواج من المعتقلين السياسيين والإسلاميين والجنائيين هناك، وخسر الكثيرون حياتهم، ولو أن قيادات الإسلاميين اقتنعت بفكرتنا التي طرحناها (حول الإضراب السلمي والإضراب عن الطعام وسائر أنواع المقاومة السلمية) لربما كانت النتائج أفضل.

كل ما نأمله ألاَ تكون نتائج الثورة السورية والحرب الأهلية والحرب الداخلية للثورة على شاكلة نتائج «اختبار صيدنايا»، ولاشك أن النظام يطبّق ما كسبه من خبرات في تجربة صيدنايا في حربه الدائرة اليوم مع الإسلاميين الذين أطلقهم ليأكلوا الثورة أولاً، ومن ثم ليتفرّغ هو لأكلهم لاحقاً فيقضي بالقضاء عليهم على الثورة، وهو تكتيك كنت أسميته (في مقال سنة 2001) بتكتيك «خنزير الذرة»، وهو الأسلوب الذي استخدمته الولايات المتحدة في أفغانستان، بدفع الإسلاميين للقتال ضد السوفييت وإقامتهم دولة إسلامية، ومن ثم بدأت أميركا بالحرب ضدهم بعد أن عاثوا في أفغانستان وأعادوها إلى العصر الحجري، فجاءت أميركا مع حلفاءها لتحرير أفغانستان من هؤلاء أو للحدّ من تواجدهم ولتظهر الولايات المتحدة بمظهر المنقذ لأفغانستان.

على أن النظام الاسدي اليوم، بكل أركانه وأجهزته الأمنية والسياسية والإعلامية، يظهر في موقع المعتقل من قبل أجندات دولية تُخضعه لاختبار صيدنايا، فيتحول بذلك إلى فأر تجارب في مختبر أكبر يجري فيه اختبار أعقد وأضخم وأخطر مما حدث في معتقل صيدنايا، يمكن أن نسمّيه للأسف «الاختبار السوري».

نرجو ألا ينتهي هذا الاختبار بإعادة احتلال النظام لسورية بموافقة عربية ودولية، وإعادتها إلى العصور الوسطى واستعباد شعبها من جديد فيما يشبه حالة الرقيق في ذلك العصر الأسود.

Version Française : De « l’expérience de Saydnaya » et ses influences sur la Révolution et la Syrie

Source : http://therepublicgs.net/2013/12/26/عن-اختبار-صيدنايا-وتداعياته-على-الث/