أحجية « الكيماوي » وحتمية الموت -منار الرشواني
انقلبت روسيا على روايتها هي ذاتها بشأن مجزرة خان شيخون. ففي تبرير وزارة الدفاع الروسية عقب المجزرة مباشرة، كان أنّ قصف طائرات الأسد للمدينة، والذي أكدته الوزارة، استهدف موقعاً للمعارضة لتصنيع الأسلحة الكيماوية، أدى تسرب مواد فيه إلى إزهاق أرواح عشرات السوريين. أما الآن، فيؤكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين –كما ذكر في مؤتمره الصحفي مع نظيره الإيطالي يوم الثلاثاء الماضي- مسؤولية الولايات المتحدة عن الهجمات الكيماوية؛ وأن لدى بلاده معلومات استخبارية بأن الأميركيين « يخططون مرة أخرى لزرع بعض المواد واتهام السلطات السورية باستخدام أسلحة كيماوية »، بما يسمح بتوجيه ضربات جديدة لمواقع الأسد العسكرية.
في سياق الانقلاب ذاته، وإذ لم يعد له من دور إلا إجراء المقابلات الصحفية، بما يوجب عليه تقديم شيء ما يلتفت إليه العالم؛ فقد نفى الأسد قصة مصنع المعارضة للأسلحة الكيماوية وقصة قصف طائراته له معاً. إذ اعتبر، في مقابلته الأخيرة مع وكالة الأنباء الفرنسية، أن كل هجوم خان شيخون مفبرك، مشككاً في أن يكون الأطفال الذين ظهروا في لقطات الفيديو موتى أصلاً، أو لربما ماتوا في مكان آخر.
طبعاً، هناك تقرير دولي واحد على الأقل، أعده فريق تحقيق مشترك للأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية، تم تشكيله بقرار من مجلس الأمن الدولي (أي بموافقة روسيا)، أكد مسؤولية نظام الأسد عن الهجمات الكيماوية في العامين 2014 و2015، بل وتضمن، كما نشرت وكالة « رويترز »، تأكيداً على مسؤولية بشار الأسد وشقيقه ماهر شخصياً عن تلك الهجمات.
وإذ كانت روسيا اعتادت رفض كل تقرير يدين الأسد، فإن تصريح الرئيس بوتين الأخير يثير التساؤل عما إذا كان يجب علينا الآن توقع مزيد من الهجمات الكيماوية لإثبات الرواية الروسية الأحدث بأنها عمليات أميركية غربية، وإن كانت ضد مواقع المعارضة؟ وليكون الرد الروسي –وطبعاً إيران واتباعهما- « ألم نقل لكم »؟
بالتوازي مع سياسة إضفاء الغموض على هوية القاتل عند استخدام الأسلحة الكيماوية، يبرز مسار روسي آخر عندما يتعلق الأمر بمجازر الأسلحة « التقليدية »؛ هو استغلال دماء « الأبرياء » التي تسفك في الموصل على يد الأميركيين، حتى وإن كان شركاء الأميركيين في مجازر الموصل هم الشركاء ذاتهم للروس في مجازر سورية؛ إيران ومليشياتها الطائفية متعددة الجنسيات.
بالنتيجة، أكانت المجازر كيماوية أم تقليدية، فإن ما يظل ثابتا روسيا وحيدا في سورية، من دون غموض أو مزاودة، هو مواصلة القتل بلا هوادة، أو أقلها استدامة أسبابه. يؤكد ذلك بما لا يترك مجالاً لأي تشكيك، عام ونصف العام من التدخل العسكري الروسي المباشر لحماية الأسد ولو بمسمى « رئيس » على الخراب. فموسكو منذ اليوم الأول للثورة وحتى اللحظة لم تقدم للسوريين إلا الاختيار بين الموت بالصواريخ والقنابل، أو الموت تعذيباً في أقبية سجون الأسد.