أربع حكومات ونصف … والبقية تأتي – عريب الرنتاوي
تتسارع وتائر الإعلانات عن تشكيل “حكومات انتقالية” لسوريا، وتنتشر كانتشار الحُمّى في الجسد أو النار في الهشيم…المجلس الوطني السوري، شكل لجنة خاصة بتشكيل حكومته الانتقالية بعد اجتماعاته الأخيرة في الدوحة…الجيش السوري الحر استبق هذه الخطوة بالإعلان عن تشكيل حكومة برئاسة ملهم الدروبي خصّ بها المعارض السوري الأبرز والأكاديمي المعروف والمُغترب المزمن برهان غليون بحقيبة شؤون المغتربين (؟!)…فيما كان هيثم المالح، المعارض الهرم (سليط اللسان) يتداعى مع ثلة من الأصدقاء والندامى لتشكيل حكومة ثالثة برئاسته…أما نجم هوليوود الصاعد (العميد ابن العماد) مناف طلاس، فظل يطوف بين الرياض وباريس وأنقرة، في مسعى محموم لإقناع هذه العواصم بأهليته لتشكيل حكومة انتقالية برئاسته، ولسان حاله يقول: “خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام” وإن لم يفقهوا، ومن ولد وفي فمه ملعقة من ذهب ابتاعها بأموال أبيه المسروقة والمنهوبة، لا يرتضي بغير الصدارة، حتى وإن مضى على انضمامه للمعارضة يوم واحد فقط.
وسط هذه الحمى المُغيّبة للعقل والمثيرة للغرائز والشهوات، كان طبيعياً أن يتحرك أكراد سوريا بطريقتهم الخاصة، فأسسوا لجاناً ومجالس لإدارة مناطق انتشارهم وتواجدهم، معلنين عن شبه حكومة “لإقليم كردستان الغربية” أو “نصف حكومة” إن شئتم، يدعم مسعود البزاني فريقاً منهم، فيما يحظى حزب العمال الكردستان بنفوذ لدى الفريق الآخر، والأرجح أن أكراد سوريا، سيشكلون في المرحلة المقبلة، أكثر من حكومة واحدة، وكذا ستفعل بعض الأقليات الأقل وزناً وتنظيماً ودعماً.
بالطبع، لم تُرضِ هذه الحكومات وأنصاف الحكومات، معارضات الداخل السوري، التي انبرت بتنسيقياتها ولجانها وهيئات العامة والمحلية وشخصياتها المستقلة لـ”حجب الثقة” عنها جميعها…واضعةً شروطاً تعجيزية ترى توافرها فيمن سيتصدى لهذه المهمة، لعل أهمها على الإطلاق أن يكون مقيماً داخل سوريا، ما يعني أن ليس من بين جميع معارضات الخارج، من هو جدير بالتنطح لأداء هذه الرسالة الجليلة.
وستتكشف الأيام المقبلة عن مزيد من الحكومات، التي ستحمل أسماء وعناوين موازية لعشرات الكتل والمجاميع السورية المعارضة…فالمعارضات التي لم تستطع أن تجتمع تحت سقف واحد في زمن “الثورة”، لن تنجح في فعل ذلك وهي تزحف نحو السلطة، أو هكذا يبدو لها، فالتاريخ علمنا أن الثورة توحّد أبناءها أما السلطة فتقسّمهم، لكن التجربة السورية تأبى إلا أن تكون استثناءً في كل شي، فتأتي بخلاف مألوف القاعدة العامة، حيث الانقسام هو سيد الموقف في حالتي الثورة والسلطة سواء بسواء.
وسيزداد الانقسام والتشظي سوءاً وتعقيداً بالنظر لاختلاف مصالح وحسابات اللاعبين الإقليميين والدوليين الممسكين بـ”زمام المعارضات” و”صنابير” الدعم المالي والعسكري، فنحن نعلم كما أنتم تعلمون أعزائي القرّاء وعزيزاتي القارئات، أن من يدفع للزمار يحدد اللحن ووقت العزف والعزوف، وهذا ما انتهت إليه كثرة من المجاميع السورية المعارضة، التي آل “كفاحها” إلى بزنس يحسدها عليه، تجار حلب الأذكياء والمهرة.
والحقيقة أن الأنباء المتواترة عن “تفريخ” الحكومات الانتقالية بالجملة، أعادتني عشر سنوات للوراء، عندما اتصل بي صديق مهنئاً بتعينيي وزيراً للإعلام في حكومة فلسطينية بالمنفى، كان أعلن تشكيلها الطبيب الأردني من أصل فلسطيني د. جهاد البرغوثي، يومها لم أجد ما أرد به على الصديق المذكور، لأنني كنت تائهاً بالفعل في التفريق ما بين التهنئة والإهانة في مكالمته الصباحية.
ستكون لسوريا حكومة انتقالية، لكننا لا نعرف متى أو كيف ومن سيشكلها وممن ستتشكل، ومن أين تريد أن تنقل سوريا وإلى أين…والأرجح أن كثيرا من أصحاب الدولة والمعالي (الثوار) الذين سال لعابهم وتراكضوا لاهثين خلف بريق المناصب والمقاعد والامتيازات، لن يكونوا من بين أعضائها…فسوريا جديرة بما هو (ومن هم) أفضل من ذلك بكثير.