أريد جواباً على محبتي لسوريا دون سيف – فورانس غزلان
تسكن بعد نشيج ، تهدأ بعد معركة مع الضمير ومع الغياب ، تقتلع روحك من غضبها وجموحها، ترفع مراسيها وتبحر في جنونك..تطلق العنان لنيرانك علها تصيب مقتلاً في عدو لم تستطع خلال عقودِ أن تطاله يداك، ولم تغفر لنفسك بُعدَها المفروض، لو أسرجت كل خيولك الجامحة لما استطعت النفاذ لتبسيط غضبك أو مَحوَّرَته حول نقطة ما، فكل النقاط من حولك يحيطها الغموض وتجانبها الحقيقة، فالحقيقة مستورة هنا ومُغَيَّبة هناك ، مشوهة أمام الأبواب ومعتقلة في السجون..وأنت منها مسطول وبعيد.
تتلقى الصفعات من إعلام يُصَوِّر وآخر يُشَوه وثالث يُغرِقك في بحرٍ من الدماء والدموع، تريد أن تشرك أحدهم في ملاحظاتك ، في محاولاتك، في سعيك الدائم في البحث عن موطيء قدم داخل صفٍ يقود لنهاية مطاف عسير ومخاضٍ أشد عسراً، فتجد نفسك وحيداً لاتنتمي لصف من الصفوف المبعثرة ، بل المشاركة في التنكيل بمشاعرك وبعزيمتك، والباذرة للشك في قدراتك أو حسن طويتك، انتماؤك محط إبهام..فمايدور برأسك لايتماثل وهذه البعثرة من صفوف ديكةٍ تتصارع تحت أقدام ثيرانٍ عالمية المنشأ ، أو ثعالب عربية الزرائب، فكيف يمكن لإنسانيتك أن تشق طريقها في وحل معركة الصراع غير المتكافئة، والتي لاتتناسب وأحلامك منذ ولادتك حتى يومك هذا، فماذا بمقدروك أن تفعل؟ ..أن تستمر في الرحيل، أم تُرَّحِل قدراتك لهذا الطرف أو ذاك؟ يخرج على الفور صوت مخنوق من حنجرتك يعترض الرحيل والترحيل، تتسمر بمكانك..تظل واقفاً.. تُصرُ على الوقوف بوجه عاصفة تنذر بالخراب..فلا زريبة الثيران الواسعة تتسع لوجودك وتقبلك على قدم المساواة، ولا ترضى بك ثعالب العرب في زريبة أضيق أفقاً وتعبيراً عن نقائك وعن آمالك، جميعها يريد اختصارك في حقلٍ يحيلك لكومة من القش قابلة للحريق متى شاء عود كبريتهم أن يشعلك، أو يفتعل اشتعالك ثم يهرع لأطفاء نيرانك.
فكيف يمكنك أن تأتمن الثعالب على دجاجاتك وخرافك التي تهوى الانطلاق في تلال الحرية والطبيعة؟ كيف تؤَمِن على أحلامك في صندوق تاريخي حفظها حتى اليوم ، على خريطتك الزاهية سوريا، من عبثهم ومصالحهم؟ هل من مُخَلِص يقف معي؟ هل من صوت يستمع إلى وجدان الشعب، وضمير الإنسان، وخلُق القيم والحق؟
في هذا الموج المتلاطم والمتصارع داخلاً وخارجاً، لاأجد لنفسي مكاناً سوى في حمص أو إدلب أو بين أهلي في درعا..فهل من صديق يأخذني حيث أريح رأسي بين قذيفة وأخرى، أعيش معهم جفاف الخبز وشح الماء؟ ..يمر الوقت وحلمي لايكف عن الذبذبة…بين الواقع وإمكانية الاغتيال…فأجد أن مصيري لم يعد في بقائي حية ترزق على ضفاف السين، وإنما في اضطجاعي على حافة وادي الزيدي أرقب المغيب أو أحلم بفجر ذو ملامح آرامية.. غسانية، لالبس في تاريخها ولا تطييف لانتمائها..من رحم زنوبيا أو من صلب جبلة بن الأيهم، فبيني وبين الأسماء المنتخبة عبثاً تاريخياً يقف دوني ودون الحلم…بيني وبين هذا الكم من الإبهام ..مسافة أتمنى لو أقطعها نحو فجر يشرق دون سيف ذو الفقار، أو حسام خالد بن الوليد…فكلاهما يقتل قبل أن يسأل..وأنا أريد جواباً على محبتي لسوريا دون سيف.
فلورنس غزلان – باريس 13 آذار 2012