أوهام الاقتتال الطائفي في سوريا – سما الراشد
تميز النظام السوري الدكتاتوري في قمعه للثورة السورية باعتماده على سياستين متوازيتين، تمثلت الأولى بلجوئه ومنذ البداية إلى وسائل القتل والترهيب، بدءاً بإطلاقه الرصاص الحي على المحتجين، ومن ثم باستخدامه الدبابات والمروحيات وطائرات الميغ العسكرية لقصف المدن والبلدات الآهلة بالمدنيين، ناشراً القتل الرسمي والدمار العلني والتهجير اليومي في عموم انحاء سوريا.
في حين تمثلت سياسته الثانية بالعمل على تحويل النضال الشعبي السلمي من أجل الحرية والكرامة، إلى اقتتال طائفي، مستخدماً في ذلك كل السبل الممكنة. بدءاً من استخدام » الشبيحة » وهم حثالة المجتمع السوري بكافة فئاته، ومنحها أوسع السلطات والصلاحيات للقيام بكل ما تستطيع لقمع المحتجين, وترهيب الأهالي الذين يمثلون الحاضنة الاجتماعية للثورة السورية، كضرب وإذلال واغتصاب، وإساءة للمعتقدات والشعائر الدينية، وارتكاب المذابح والمجازر، بحق طائفة ما، وتصوير كل هذا وتقديمه للملأ على أنه فيديو مسرّب يُظهر الممارسات الوحشيّة الأقسى وكأنها ممارسة من قبل عناصر ينتمون إلى طائفة محددة, علّه بذلك ينجح في إثارة حفيظة وحقد الطائفة الأكبر التي انتمت للثورة السورية. ولتخويف الأقليات كي تقف مع النظام لتخوض حربه باعتباره المدافع عن وجودها الذي يتهدده الإسلاميون المتطرفون.
أوقعت هذه السياسات عشرات الآلاف من القتلى والجرحى بالإضافة إلى مئات الآلاف من المشردين والنازحين واللاجئين والمعاقين، ممّا دفع بالأسرة الدولية إلى التحرك، فأعلن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عن تمديد مهمة « اللجنة الدولية المستقلة للتحقيق » حول سوريا لستة أشهر، وندّد في الوقت ذاته بـ »الانتهاكات على نطاق واسع » التي قال « إنّ قوات الأمن السورية ترتكبها. » مشيراً في الوقت ذاته أنّ « على اللجنة أن تقوم بجمع أدلة لمحاكمات محتملة لشخصيات يشتبه بارتكابها لانتهاكات أثناء الثورة المستمرة منذ 18 شهرا ضدّ حكم الرئيس السوري بشار الأسد ».
مع أن اللجنة الدولية المستقلة للتحقيق فيما يرتكب في سوريا من جرائم، التي بدأت عملها منذ نحو عام برئاسة البرازيلي « باولو بينيرو » بالإضافة إلى القاضية « كارلا ديل بونتي » والمُقرّر الخاص السابق للأمم المتحدة « فيفيت مونتاربورن ». لم تسمح السلطات السورية لها بدخول سوريا « إلا أنّ فريقاً من العمل تمكّن من مقابلة 1200 شاهد وضحية »، وأصدر أحدث تقرير له مكون من 10 صفحات يؤكد فيه المحققون أنه: « وبينما تقترب المعارك بين القوات الحكومية والجماعات المسلحة المناهضة للحكومة من نهاية عامها الثاني باتت طبيعة الصراع طائفية بشكل صريح ».
لا شك أنّ تحذير المحققون من اندلاع حرب طائفية في سوريا كان مرده إفادات الضحايا والشهود، وهذا قد يبدو صحيحاً بعض الشيء، خاصة لمن لا يعرف سمات الشعب السوري، ففي حين يؤكد الضحايا على وقوع العديد من الأعمال التي تصب في خانة الطائفية، نجد أنّ ثمة الكثير من الحوادث تؤكد على وحدة وتآخي الشعب السوري، إذ كثيراً ما ساعد ابناء الطائفة العلوية مثلاً أبناء الطائفة السُنية وآجاروهم، والعكس صحيح، وهذا ينطبق على باقي الطوائف في عموم سوريا. لكن المحققين ولأسبابهم الخاصة رأوا أنّ طوائف بأكملها باتت مهدّدة ». إذ جاء في التقرير « أنّ خطر نزاع طائفي يتضمن مواجهة بين مجموعات اثنيّة ودينيّة كان حاضرًا دائمًا ». لكنهم اضافوا انه بعد 21 شهرا من المواجهات « اصبح النزاع طائفيًّا بشكل واضح »، مشيرين الى توتر بين الشيعة والسنّة. وأوضح المحققون أن الأقليّات الاخرى مثل الأرمن والمسيحيين والدروز والفلسطينيين والأكراد والتركمان أقحموا في النزاع »، مشددين على ان « اوضح الانقسامات الطائفية هي بين الطائفة العلوية والطائفة السنية ».
الغريب بالأمر أنّ الأسرة الدولية التي بقيت 21 شهراً تشاهد وتراقب بشكل يومي، قصف الدبابات والطائرات العسكرية للمدنيين وعمليات القتل الرسمي الوحشي للجماعات البشرية في سوريا، مكتفية بالتنديد والاستنكار، نجدها اليوم وقد قررت التحرك، لكن ليس لإدانة النظام وجرائمه ضد الإنسانية، بل لإدانة طرفي النزاع، وبسبب خشيتها على الطوائف السورية من اقحامها في الصراع. فكان لا بد لها من الضغط على أطراف الصراع للبحث عن تسوية تفاوضيّة وبأسرع وقت ممكن. ولهذا فقد حذّر المحققون وبلغة واضحة، بأنّ الوضع سيئ الى درجة قد تؤدي إلى أنّ « مجموعات بأكملها قد تضطر للهرب من البلاد او تقتل في البلاد ». وتابعوا أنّ « الطوائف تعتقد وهذا مبرر أنها تواجه خطرًا وجوديًّا لذلك تبدو ضرورة تسوية تفاوضية اليوم اكبر من اي وقت مضى ».
وعلى هذا أكد مستشار الأمم المتحدة الخاص بشأن منع الإبادة في مجلس الأمن، أدما ديينغ، وأضاف قائلاً « أناشد جميع الأطراف الفاعلة على إدانة خطاب الكراهية الذي قد يشكل تحريضاً على العنف ضد الجماعات على أساس انتماءاتها الدينية ». مضيفاً « أنّ الحكومة السورية تظهر فشلاً واضحاً في حماية السكان » .
كذلك فقد أعرب بينهيرو عن « قلق اللجنة الشديد من لجوء بعض الاقليات إلى تسليح نفسها أو الانحياز لأحد الجانبين في الصراع »
والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان، كيف لم يرَ السيد « ديينغ » وباقي الفريق بأن الحكومة السورية لم تظهر فشلاً في حماية المدنيين فقط، بل إنها على النقيض من ذلك، هي من يمارس الترهيب والقتل الممنهج وفق استراتيجية محددة، وأنّ هذه الحكومة بممارساتها الطائفية هي من يثير النعرات الطائفية، ويبث الرعب في نفوس أبناء كل الطوائف، بحيث يخاف ابناء القرى السنُية من أبناء القرى العلوية، ويخاف المسيحيون من جيرانهم السُنة أو الإسماعيلية وبالعكس، حتى أنّ النظام قام منذ بداية الأحداث بتوزيع السلاح مجاناً على شباب الأقليات وحرّضهم للإساءة إلى جيرانهم. لكن كل ذلك لم يفلح في خلق الاقتتال الطائفي.
وأن استعانة هذه الحكومة بعناصر من إيران وحزب الله في معركتها ضد الشعب الثائر، ليس لأهمية هذه العناصر عسكرياً فقط, وإنما بقصد تأجيج نفوس الطائفة السُنية ضد الطائفة العلوية, ولإظهار هذا الصراع على أنه صراع طائفي.
كذلك ألقت اللجنة الضوء على وجود محاربين أجانب يرتبط بعضهم بجماعات إسلامية متطرفة، وعلى تطرف بعض المحاربين السوريين المناوئين للحكومة، كما أوردت تقارير عن قيام أعضاء من جماعة حزب الله اللبنانية ومحاربين آخرين من العراق وإيران بالقتال نيابة عن الحكومة.
وحثّ مستشار الأمين العام في بيانه جميع أطراف النزاع في سوريا على الالتزام بالقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان، وتابع قائلاً: « يتعين على المجتمع الدولي أن يعمل على تنفيذ الالتزام الذي قطعه جميع رؤساء الدول ».
نعم إنّ على المجتمع الدولي أن يخرج عن صمته وأن يمارس دوره في حماية ابناء واحدة من الأسرة الدولية، غير عابئ بما يحاول النظام الترويج له عن اسلمة الثورة، فليس كل إسلامي سلفي وليس كل سلفي جهادي- كما يحاول النظام وبعض الإعلام إيهام العالم، فالقوى الأساسية الناشطة على الأرض تؤيد في أغلبيتها مطلب الحرية، وهي تؤمن بالشعب السوري الواحد، وتناهض الطائفية والتمييّز بين المواطنين، كما تعبّر شعاراتها المرفوعة حتى اليوم, ويبدو أنّ لجنة التحقيق لم يتسع وقتها للنظر فيها, كذلك فإنّ قرار الجيش الحر بمنع الانتماء إلى الأحزاب بما فيها الدينية ، ليس سوى تحذير مبكر إلى من يحاول سرقة الثورة وتحويلها إلى فعل مذهبي.
إنّ اعتماد الثورة على نظام بديل، يقوم على احترام قيم المواطنة وحقوق الإنسان، ويتساوى فيه جميع فئات الشعب وطوائفه بالحقوق والواجبات، ويتمتعون جميعاً بالحرية والديمقراطية، ولهم الحق على قدم المساواة في المشاركة في تقرير مصير سوريا وصنع مستقبلها، هذا النظام هو الضمانة الأكيدة للأقليات وللجميع بعدم جنوح سوريا باتجاه الاقتتال الطائفي.
source : http://www.hurrriya.com//news/main.aspx?id=issueeighteentwoone
date : 07/01/2013