أيا كانت دوافع حزب الله! – سامر خير أحمد
<p>كان كافياً أن يعلن حزب الله انحيازه لنظام الأسد ضد الثورة الشعبية الساعية للإطاحة به منذ أكثر من عامين، ليفقد الحزب كل تعاطف وإعجاب حظي بهما في العالم العربي، منذ إنجازه العظيم وغير المسبوق بهزيمة إسرائيل مرتين: تحرير جنوب لبنان في أيار (مايو) من العام 2000 بعد 22 سنة من الاحتلال؛ وصد الهجوم الإسرائيلي على لبنان في تموز (يوليو) من العام 2006، وإلى حد أن صُنّف حسن نصرالله، زعيم الحزب، واحداً من القادة العرب الخالدين، كجمال عبدالناصر، تجتذب خطاباته المرتجلة أسماع العرب المعجبين، وتُرفع صوره في المناسبات، وحتى في البيوت!<br>بل إن العرب تناسوا التكوين الطائفي للحزب، وحقيقة أن نصرالله رجل دين شيعي؛ متجاوزين « عدم الوفاق » التاريخي بين المذهبين، والمخاوف المعاصرة من نوايا الشيعة في المنطقة. وأذكر موقفاً طريفاً في هذا السياق، يدلل على حجم الانبهار العربي بحزب الله. ففي أواخر العام 2006، كنت عضواً في فريق مثّل الأردن في مسابقة معرفية نظمتها وبثتها إحدى المحطات الفضائية العربية ذائعة الصيت، وقدمها المذيع المشهور جورج قرداحي. اشتدت المنافسة يومها بين فريقنا والفريق اللبناني، وكان في الاستديو نجوم في الفن والإعلام، منهم الممثلة المشهورة هالة فاخر. سألها قرداحي: من تتوقعين أن يفوز في المنافسة؟ فقالت بدون تردد، متناسية أعراف الحياد والموضوعية المعمول بها في مناسبات كتلك، إنها تنحاز إلى الفريق اللبناني! كان واضحاً أن مرد ذلك الانحياز هو التعاطف الكبير مع انتصار حزب الله، قبلها بأسابيع، على إسرائيل!<br>اليوم، لم يبق للحزب وزعيمه المعمّم شيء من ذلك التعاطف؛ فقد كان كافياً أن ينحاز حزب الله ضد فكرة الحرية، التي هي صنو فكرة التحرير، ولنظام حكم يقدم خطاباً علمانياً فيما يمارس سلوكاً يومياً طائفياً، ليصير الحزب في نظر مئات الملايين من العرب، من المحيط إلى الخليج، بمثابة « تنظيم طائفي »، همّه الدفاع عن « الشيعة » في مواجهة « السُنّة »، لا الدفاع عن القضايا العربية في مواجهة الصهيونية والاحتلال الأجنبي.<br>يرى الملايين اليوم أن حزب الله انحاز لمعركة البقاء التي يخوضها نظام الأسد في مواجهة الشعب السوري، ولو كان ثمنها مئات آلاف الضحايا من القتلى والجرحى والمشردين، وذلك على أسس طائفية، تماثل الأسس التي تربطه بإيران، لا على أسس سياسية كالتي يعلنها الحزب، حين يقول إنه ينحاز لمحور الممانعة والصمود، وضد إقامة نظام حكم موالٍ للغرب في سورية.<br>في الحقيقة، وسواء كان انحياز حزب الله مبنيا على أسس طائفية؛ أي إنه يدافع عن بقاء « الشيعة » في حكم سورية، أم على أسس سياسية؛ بمعنى أنه يدافع عن حلفائه في المنطقة، ومن ثم عن بقائه في مواجهة إسرائيل، فإن النتيجة ستكون واحدة: الحزب يدافع عن نظام حكم مستبد وظالم ودموي، في مواجهة شعب لا يريده. لقد رفع الحزب شعار التحرير، وانحاز لفكرة الحرية في تونس ومصر وليبيا واليمن، لكنه في سورية ينحاز ضد الحرية، إما لأنها تتعارض مع انتمائه الطائفي، أو مع مصالحه.<br>وما دامت النتيجة واحدة، فلماذا تسليط الأضواء على الدوافع الطائفية المحتملة لسلوك الحزب في سورية؟ هل قامت الثورة السورية ضد الحكم العلوي، أم ضد الاستبداد والقهر؟ ما دامت قامت ضد الاستبداد، فإن المواقف فيها يجب أن تتحدد في ضوء الانحياز إلى الحرية أو الانحياز إلى الاستبداد، لا في ضوء الانتماءات الطائفية. ما هو مؤكد، أن الذين يعيبون على حزب الله انحيازه الطائفي، سيمارسون سلوكاً طائفياً لو انتصروا وغيّروا النظام في سورية، أما الذين يعيبون عليه انتصاره لنظام مستبد، فهم من سيقيم بالتأكيد نظاماً عادلاً على أنقاض كل هذا الظلم والدم.</p>