أيها السوريّون .. لا تغفروا لأحد -إبراهيم جابر إبراهيم
لا تغفروا لمن تابع موتكم وهو يُقشِّر الفاكهة ويتمطَّى أمام التلفزيون. للعالَم الذي جرَّب فيكم أسلحته الثقيلة والخفيفة، للثورة والنظام، للشعراء الذين استفادوا من دمكم أكثر من حفاري القبور !
أيها السوريون.. لا تغفروا للصحفي، والمفكر، والعسكري، والمفاوض، والوسيط “النزيه” الذي تهاون مع عدد القتلى حين تساوى من الطرفين !
لا تغفروا لأولئك الذين استشاطوا غضباً بعد “خان شيخون”، لأنهم يرون أن الموت بالكيماوي أقسى من التفتت بالقذيفة، وأن موت الأم بالغاز أفظع من اختناقها تحت الركام ويجعل اليُتم أصعب !
أيها السوريّون .. لا تغفروا لأحد، لا تغفروا للذي حوَّل بيوتكم العامرة بالضحك إلى مقابر جماعية، وللذي صعد على دمكم ليصير أقرب الى الله !
لا تغفروا لمن باع “الشام” قاعدة عسكرية، وقاعدة طائفية، لمن يدفع أكثر.
لا تغفروا لمن يقتل الناس من أجل ان “يعيش الرئيس”، ولا لمن يقاتل الرئيس من أجل أن يتولى هو قتل الناس !
لا تغفروا لنا ونحن نتابع أخباركم بين مسلسلين، ونكتفي بتعليق صغير على المجزرة.. لننام مطمئنين أننا قمنا بالواجب القومي !
أيها السوريّون .. لا تغفروا لأحد.
لا تغفروا لمقاول السلاح ولا مقاول السياسة والكلام، للعرب الذين أداروا ظهورهم لجنازاتكم، واكتفوا بـ”التعبير عن قلقهم” إزاء ما يحدث !
لا تغفروا لمن ذاق يوماً رائحة الياسمين في الشام، ولمن نام مطمئناً تحت ظلِّه، أن يبيع تلك الرائحة لفصائل جاءت من آخر الجغرافيا ومن آخر التاريخ، لتجاهد “في سبيل الله” !
كأن الشام ليست أجمل بيوت الله وأجمل مساجده.
أيها السوريّون .. لا تغفروا لأحد.
لمن جعل منكم لاجئين ونازحين، تنهش الطيور ما تبقى من لحمكم على الأسلاك الشائكة، أو يغرق صغاركم في المحيطات، وأنتم تبحثون عمن يطعمكم من جوع ويؤمنكم من خوف.
لا تغفروا للقاتل الواضح، والقاتل المساوم على ثمن الحياة، لا تغفروا
للحياة نفسها التي خذلت السوريين ..أجمل صنّاع البهجة وأولاد الدنيا.
لا تغفروا لمن يتابع أعداد القتلى .. ثم ينتقل بمؤشر التلفزيون متأففاً لأن قتلاكم الصغار نغَّصوا عليه ليلته، ولم توفروا له سهرة مريحة وهانئة !
أيها السوريّون .. لا تغفروا لأحد
ولكن موتوا بهدوء رجاء.
لا تموتوا صباحاً والعالَم يتجهُ الى شُغله سعيداً، ولا تموتوا ظهراً والعالَمُ يجلس الى طاولة الغداء مع أطفاله، ولا تموتوا عصراً وقت التسوّق، ولا تموتوا في موعد المسلسل التركي، ولا تموتوا ليلاً فتزعجوا النائمين !
ثم موتوا بالأسلحة التقليدية أو تحت ركام بيوتكم، ولكن ليس بالغاز أو السلاح الكيماوي، فهذا من أسوأ ما قد ينغّص على العالَم قيلولته بعد الظهر !