أي وطن يريد السوريون…… اية مواطنة سورية ينسجون؟ – بشار العيسى
انهاء الاستبداد واعادة بناء
يتمنى بعض السوريين بنيات طيب اقرب الى السذاجة في ان يستمع اليهم بشار الاسد وهم يهدونه النصح في صيغة نقد عقلاني كأن يكرروا لو فعل الرئيس كذا وقال كذا، وعمل كذا، كأن يلغي المادة الثامنة من الدستور او يشكل حكومة من وجوه تنظف وسخ سلطته، او يصدر قوانين استثنائية تلغي سابقاتها او شكلية توحي بالتغيير . يتحدث هؤلاء وبسذاجة وكان الاصلاح ما زال ممكنا وكان الاسد شخصيا ما زال مؤهلا لقيادة عملية انقاذ؟ لا يفهم العاقل ما يرمي اليه هؤلاء غير رمي حبل الانشوطة بأيديهم الى نظام قاتل لا مكان في بنيته للإصلاح ولا للإنقاذ ولا لمكان فيه لمصالحة مع قاتل شعبه، أية مصالحة وطنية؟ هل من مكان للوطن في ذهن النظام وذهن بشار الاسد تحديدا؟
ليحلم الحالمون وما شاء لت لهم الاحلام البريئة لكن الشعب السوري قال كلمته بلسان كل تنسيقيات ثواره وحركة نشطائه بتظاهراته التي خرجت قبل انتهاء الاسد من كلمته خرجوا ليس لأنه لم يضحك عليهم بشطارة الساذج، بل خرجوا لانهم ارادوا ان يؤكدوا على انهم ليسوا بسذج تخدعهم الاقوال فمن لم يفعل شيئا في احدى عشرة سنة لن يفعلها في ستة اشهر، ولولا هذه الاجهزة الامنية والقطاعات العسكرية الخاصة والتمركز الشديد في السلطة القمعية المستقرة فوق حربة البندقية لما وصل بشار الاسد اصلا بقوة القوة الى السلطة ولولا هذه القوة وخنوع اولئك الذين روجوا لفكرة الرئيس الاصلاحي الشاب لما تأخر السوريون الى اليوم ليعلنوا التغيير الشامل بالقطع مع نظام وليس مع وجوه يراد تجميلها، بالقطع مع الاستبداد وليس تغيير قوانين لم ولن وتحترم مادامت لبشار الاسد شرعية القوة لا غيرها.
انتفض السوريون وما زالوا، وسيخرجون كل ليلة وكل جمعة وكل يوم ذي دلالة سياسية ورمزية، يواجهون بالكلمة بالصرخة سكاكين الشبيحة وقناصي الحرس الجمهوري وقتلة الاجهزة الامنية وسيصرخون بقوة الغضب الى ان تتفجر عروقهم وتصير بقوة البندقية التي لم تعد تخيف، تقتل نعم، لكن لا تخيف ولم تعد كل فجور السلطة ( القمع والاحتلال والتهجير والاغتصاب والمعتقلات) يثني الناس عن الثورة، اصبحت الثورة قرارا شعبيا وثقافة ميدانية تقوم على سلمية الفعل واستمراريته ورفض كل اشكال التعاون او القبول باي من استطالات هذه السلطة، لان سوري جيل الثورة قرر استعادة وطنه من قتلة الشعب، يستعيده لا ليحنطوه بل لينشروه فضاء للحياة والمستقبل يعيد بناءه يرممه منه ما تدمر ويعيد اليه ما غيب.
وطن السوريين المنشود ليس كيانا من وهم عقائدي بصيغة سجن محكوم الاضلاع والمساحات بآليات وقوالب من تاريخ فاته الزمن بل وطن ينسجه السوريون كل يوم يتشاركون فيه بكل اطيافهم واجيالهم وثقافاتهم وطن يشبه من يتشاركون في بناءه وطن يحمي المتردد الخائف من التغيير قبل ان يكون لانتقام الثائر المنتصر وطن يحرر العلوي من ارتهان السلطة له بإخافته من الآخر وطن يحمي المسيحي من خوفه التاريخي من اكثرية لم تعتد عليه يوما وطن يعلنه الكردي للعربي ان لا تخف فنحن شريكان من حول بداية لن تتمزق وعربي لم يعد يرى في الكردي مثلما اشبع انه قادم من خارج الحدود ليقتطع من عروبتك قداستها.
يلتف السوريون اليوم برؤية شبابية ، لشباب ولدوا في الاستبداد وعاينوه ولفظوه جملة وتفصيلا، شباب تشبع بثقافة الحياة لا الموت ثقافة الانفتاح على الكون بحداثة وعصرنة، تخلف عنها المثقف والحزبي والحاكم الجلاد، ثقافة بسيطة تقول أن الكلمة اقوى من السلاح وانا التغيير اصبح وصار واقعا وان الواقف الى جانبك هو أنت سواء اتكلم الكردية أم العربية؟ أصلى في كنيسة ام مسجد ام تكية ام مزار هو انت، يشبهك، مثلك، منك، انه انسان لكنه انسان سوري، أليست الوطنية السورية كافية لتجمعنا جميعا، في مواطنية حقة عادلة تقر للجميع بحق الوصول الى منصبي القاضي والحاكم؟ أليست المواطنية السورية هوية متكاملة تدبغت بتمازج دماء شهدائنا من حوران الى عين ديوار؟ مهما كان لون انسانه أو نطقه أو موسيقاه واغانيه وعراقة ثقافته؟ هل سورية السوري تصبح ناقصة ان لم تتعرّب او تتكرّد او تتمسح او تتأسلم أو تتعلون او تتدرز؟ هل يلغي المعتقد الايماني فينا العقلي الانساني الذي يجمعنا؟ هل يتقدم القطيع المجزئ فينا على الكلية السورية العصرية الشاملة؟ وهل الوطنية السورية نقيض انتشارنا الكوني لجماعاتنا سواء اكان شرقا او شمالا او جنوبا او غربا في هذا الفضاء الشرق اوسطي الذي كان على مجدى التاريخ في وحدات امبراطورية يتحرك المركز فقط منه؟
تقوم قناعتي على ان الشباب السوري يتقن بنهضوية راقية صياغة شعاراته واهازيجه وعراضاته وهو يلملم افوه جراحه وينظر طيف الموت الواحد في وجوه شهدائه يتوحد من خلف فكرة، فكرة الوطن السوري، جمهورية عصرية حداثية متعدد الانتماءات والثقافات والاقوام يلفها ويوحدها ويجمعها ويؤالفها ثورة مروية بالدم في سبيل انسانية الانسان، انسانية تقول على احترام القوانين بقدسية دستور يتجلى في روحية تجمع الشعب، وليس بنصوصه الحقوقية وحسب، دستور يصاغ لأجل مجتمع موحد في
تنوعه، متنوع في تماسكه الوطني، دستور يرتقي بالوطن الى ثقافة وحيوية العصر الذاهب الى المستقبل لا الى الماضي، في تقدمه لا في تخلفه وانتكاسه ونكوصه، وطن يشعر فيه العلوي بانه سيعيش بغير الخوف الذي نشأ وتكلس مع هذه السلطة التي صورته كمغتصب من المستقبل، والمسيحي بأمان لا تجعل منه اقليته لقمة سائغة بالخوف الذي راكمه الكهنوت الملتصق بمكاسب سلطة آنية، وكردي لن يشعر بالغربة في وطن يشارك في استعادته وينتمي الى مستقبله بغير اكراه او انتقاص.
هذا الوطن السوري يعكي للثورية شرعية القطع نهائيا مع الاستبداد في اية صيغة اتى سواء اكان في لبوس اصلاحات فارغة او في صيغة تباك على حقن الدماء او تهويل بالحرب الاهلية او تمزيق للوطن السوري، هذا الوطن الطموح هو الذي يرفض كل حوار يمد في عمر الاستبداد او يمد اليه اليد بطوق النجاة فهل من يتعظ؟
خاص سورية حرية
بشار العيسى