اختطاف القومية العربية – منار الرشواني
لا يمكن الجزم ما إذا كانوا الأغلبية ضمن أقلية أصلاً، أم هم أقلية ضمن هذه الأقلية، إنما بصوت مرتفع ليس إلا. أياً يكن، فإن هذه الفئة من القوميين باتت التجسيد الوحيد للقومية العربية، منذ عقود. وأفراد هذه الفئة يظنون أنهم يملكون (وهم يتصرفون على هذا الأساس) نفوذاً في العالم العربي لا تتمتع به الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والصين وأوروبا وكل دولة دونها؛ فلهم الحق كاملاً في أن يقرروا للعربي، من المحيط إلى الخليج، ما يحق له أن يفعل وما لا يفعل، وإلا أصدروا صكوك خيانة لا لأفراد، بل لأنظمة وشعوب كاملة!
في سورية مثلاً، ليس الشعب الثائر، الذي لم يدافع عنه القوميون يوماً، إلا شعباً مندساً عميلاً إذ قرر المطالبة بالكرامة والحرية ووقف نهب بلده على يد « الممانعين ». وهو أيضاً في ثورته مجرد حاصل مجموع منظمات ظلامية تكفيرية، حتى وإن أيده علمانيون ومسيحيون وعلويون ودروز! ولسان حال هؤلاء القوميين ما قاله الزعيم « القومي » الراحل معمر القذافي: من هؤلاء؟! فمن هو ميشيل كيلو، وصادق جلال العظم، والطيب تيزيني، وعلي فرزات، وعبدالعزيز الخير، ومي سكاف، وفدوى سليمان، وسمر يزبك، وجمال سليمان.. والأغلبية الساحقة من المثقفين والمفكرين والسياسيين والكتاب والفنانين السوريين الذين يؤيدون الثورة؟! بل وحتى إن كان « القومي » متعاقداً سابقاً مع الجيش الأميركي، يزود قواته الغازية للعراق العام 2003، بالماء والغذاء، فقد صار بإمكانه غسل أمواله بدماء السوريين، باتهامهم « قومياً » بالعمالة لأميركا!
أمام هذه المزايا وهذا النفوذ الذي يكاد يكون « إلهياً » ما حلم أن يحوزه « النمرود » الذي ظن أنه « يحيي ويميت »، ربما يتوهم البعض صعوبة الحصول على عضوية « النادي » القومي العظيم. أبداً! كل ما يحتاجه المرء هو قليل من التمجيد للزعيم « الخالد » جمال عبدالناصر، والترحم على صدام حسين، وكثير من الحديث عن فلسطين، لكن ليس الفلسطينيين أبداً؛ فهؤلاء يمكن لأحد الممانعين أن يقتل منهم في لبنان وحده أكثر مما قتل الإسرائيليون منذ العام 1948 في كل مكان، كما يمكن أن يضعهم قومي آخر على حدود السلوم « منعاً لنسيانهم قضيتهم »!
هكذا، فإن الانتماء إلى هذه الطائفة « القومية » ليس معناه أبداً إجهاد النفس بمعرفة الحاضر أو تاريخ، أو استنزاف الوقت الثمين في ما لا طائل منه لوضع خطة ولو فقط لإطعام الشعوب في الزنازين المسماة أوطاناً! فثمة مؤامرة عالمية صهيونية-أميركية، تعفي هؤلاء من ذلك؛ تفسر فشل القوميين منذ الاستقلال، وتفسر الربيع العربي، وحكم الإسلاميين. وليس ثمة خشية من « إحراج » بسؤال أحدهم عن تفاصيل المؤامرة، فمثل هذا السؤال لا يصدر إلا عن مناكف حاقد من الـ »غوييم » غير القوميين؛ وهم بالتعريف أدنى مرتبة، وغارقون في جهل لا شفاء منه، وهم حتماً –كتهمة احتياط ناجعة- مع التطبيع!
رغم كل ذلك، على القومي من أنصار أنظمة الاستبداد أن يحذر من « عقب أخيل »؛ من التفكير في قيمته خارج المزاودة والتنظير والترويج للمؤامرة التي لا تنتهي؛ إذ عندها لا بد أن يكتشف الحقيقة، ويغدو -في أحسن الأحوال- « كارهاً لنفسه » كيهودي يؤيد إنسانية الفلسطينيين ويدافع عن حقوقهم في مواجهة إسرائيل.
إذا كانت « القاعدة » وشقيقاتها تحاول اختطاف الإسلام، فإن هذه الفئة من القوميين قد اختطفت القومية العربية منذ أمد بعيد، حتى صار من غير الممكن مجرد الحلم بإنقاذها منهم.