الانتخابات السورية في المرآة البانورامية – عيسى الشعيبي
يتزاحم على مدار هذا الأسبوع عدد وافر من الاستحقاقات الانتخابية البرلمانية والرئاسية في غير بلد واحد. ففي غضون هذه الأيام، والأيام القليلة المقبلة، جرت بالفعل، وستجرى انتخابات رئاسية حاسمة في فرنسا، وأخرى تكميلية في إيران، وبلدية في لبنان، فضلاً عن انتخابات برلمانية في اليونان وصربيا وأرمينيا، إلى جانب انتخابات رئاسية في مصر وعامة في الجزائر، وفوق ذلك تم تدشين حملة الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، حيث أكثر الانتخابات أهمية في العالم على الإطلاق. ومع صدور هذا المقال، تكون « معركة » الانتخابات العامة السورية قد وضعت أوزارها، وصدرت نتائجها المقررة سلفاً، بما في ذلك نسبة المشاركين وأسماء الفائزين، بل وعدد الأوراق الباطلة. فلماذا والحالة هذه الاستعجال إذن في التعليق على مثل هذه الواقعة الانتخابية البائسة، وتقديم الاهتمام بها على غيرها من الوقائع الأكثر أهمية؟لعل الإجابة الشافية تكمن في حقيقة أن الصورة الرسمية السورية، المراد إعادة تكوينها على نحو يتساوق مع روح العصر ومُثله الديمقراطية، سوف تترسخ بكل تشوهاتها القديمة أكثر فأكثر، وتزداد ملامحها تشظياً عما هي عليه راهناً، الأمر الذي من شأنه أن يعمق أزمة النظام مع نفسه، على نحو أشد مما هي عليه أزمته مع شعبه، الذي يعي جيداً أن هذه المسرحية المبكية المضحكة لا تقدم ولا تؤخر بمجرى التطورات العاصفة، ولا مكان لها على سلم الاهتمامات المحلية في هذه الآونة. لذلك، لم يكن من المستغرب أن ينشر بعض المواقع الإلكترونية السورية المعارضة أسماء الفائزين في هذه الانتخابات قبل أن تجرى بعدة أيام، وأن يتندر على هذه العملية المخطط لها في دوائر الأمن جمهرة واسعة من الناخبين المحتملين، الذين استبدلوا صور المرشحين في عديد من المدن والبلدات المنكوبة بصور الشهداء، وأن يتناقل المدعوون إلى الصناديق نوادر ومُلحاً وطرائف تثير الابتسام، حتى لا نقول إنها تدعو إلى السخرية والاستهزاء.من هنا فقد استحقت هذه الانتخابات التي جرى الإعداد لها وسط دوي مدافع الدبابات وأزيز الرصاص ومواكب الشهداء، لقب أغرب انتخابات في هذا الزمان، وأشدها مدعاة للعجب العجاب، وأكثرها دلالة على انقطاع أركانها عن الواقع المعاش، ووصفها من جانب الناس المخاطبين بها، تارة أنها مهزلة، وطوراً أنها مسرحية ركيكة النص، ساذجة الإخراج.وقد تكون أكثر معطيات هذه الانتخابات التي احتدمت على شاشة التلفزيون على نحو أشد مما جرت في الشارع، وأعمق مفارقاتها دلالة على خواء المدخلات والمخرجات معاً، أن بعض المتنافسين فيها لا يستطيعون العودة إلى قواعدهم الانتخابية الثائرة، أو حتى التواصل مع أقربائهم في المدن والقرى الرافضة لشبيحة الإعلام من هؤلاء، الأمر الذي لم يجد معه النظام البوليسي بداً من ضم المنبوذين فرادى إلى القوائم الفائزة سلفاً في العاصمة وبعض الأنحاء.خلاصة القول أن هذه الانتخابات التي أراد النظام الاستبدادي من ورائها إعادة إنتاج نفسه من جديد، والادعاء أنه استجاب لمطالب الإصلاح، سوف تزيد من غربة النظام عن زمانه، وتعمق أزمته مع نفسه ومع شعبه، وتعيد تظهير صورته المهشمة في المرآة الانتخابية البانورامية على نحو أكثر بشاعة، في مشهد لا يقبل المقارنة من قريب أو بعيد مع أي من المشاهد الانتخابية