الباحث عبدالله تركماني : حجم الإسلاميين في سوريا لا يتجاوز الـ 20 بالمائة

Article  •  Publié sur Souria Houria le 2 octobre 2011

أجرت الحوار: روعة قاسم – صحيفة المغرب التونسية
–    كيف تقيّمون مسار الثورة السورية حالياً ؟ وهل يمكن أن تنجح في إسقاط النظام الديكتاتوري ؟
بعد أكثر من ستة أشهر على اندلاع الثورة السورية، وبعد سيل التضحيات التي قدمها أبناء الشعب السوري وبناته، فإنّ الثورة لا تسير وفق جدول زمني محدد أو طريق أحادي الأبعاد، بل تخضع لمعادلات تبدو معقدة: النظام السوري يعيش حالة إرهاق متنامية يعوض عنها برفع حدة القمع، والشعب السوري، الذي كان حتى الأمس القريب خارج المعادلة السياسية، نجده وقد أصبح اللاعب الأول والأهم في الواقع السوري.
إنّ الطابع العام للثورة ظل مدنياً وتحررياً وإنسانياً، وتحظى بدعم من مختلف الأطياف السورية، وأخذ وجهها العام يستعير المفردات الحداثية. فقد تشكلت قيادات شابة قادرة على استيعاب معطيات التحول العالمي نحو الديمقراطية، وتمسك بزمام الأمور وتتحكم بحركتها حسب المتغيّرات، رغم وجود حالات تشويش فردية.
والسؤال اليوم هو متى سيسقط النظام، وبأية كلفة، وعبر أية مسارات متعرجة، وضمن أي نطاق زمني ؟
إنّ ما تشهده سورية حالياً هو نوع من المأزق: لا السلطة تستطيع وقف الحراك الشعبي ولا هذا الحراك قادر على إسقاط السلطة. والمهم أنّ النظام سيلحق بأقرانه التونسي والمصري والليبي، وكلما تضافرت الجهود وتعاظمت العوامل المنهكة له، كلما كان اللحاق هذا أسرع وبكلفة بشرية واقتصادية أقل وطأة.

–    ما رأيكم في المجالس التي تنشئها أطراف في المعارضة من الخارج ؟ وهل تساهم بتوحيد المعارضة أم تفرقها ؟
بداية، من المهم قيام إطار سياسي وطني شامل يحظى بقدر معقول من الإجماع والثقة، يتولى القيام بمبادرات سياسية، ويحاول التأثير على سير الثورة باتجاهات تتوافق مع السمات المشار إليها أعلاه.  وفي هذا السياق، فإنّ كل المجالس التي أُعلن عنها هي نقطة ضوء في الطريق الصحيح، لذا أدعم كل خطوة توحيدية وفي الآن نفسه أدعو إلى تصويبها، بكل شفافية ودون تجريح أو تخوين. وفي كل الأحوال المطلوب هو العودة إلى قاعدة الثورة، والعمل معها من أجل إنتاج مرجعية سياسية، بوصفها جزءاً عضوياً من تنسيقيات الثورة.

–    هل ستضطر المعارضة في الأخير إلى الاستعانة بالناتو كما حصل في ليبيا ؟
أغلب أطراف المعارضة السورية لا تسعى للتدخل العسكري الدولي، وترفض الوصاية من أي طرف إقليمي أو دولي، لكنها تحمّل النظام المسؤولية المباشرة لأي تدخل قد يحصل بسبب تعنته وإصراره على القتل بدم بارد وارتكاب المجازر بحق المدنين العزل والمتطلعين للحرية والكرامة والمواطنة. ولكن تقتضي الثورة السورية، التي وصّفنا واقعها أعلاه، اعترافها بالحاجة إلى الخارج ودعمه بالحدود التي لا تهدد وحدة البلاد أو تجرها إلى تدخل عسكري. وفي هذا المنظور طالبت الهيئة العامة للثورة السورية، في 8 سبتمبر، المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته واتخاذ كل الإجراءات التي من شأنها فرض حماية للمدنيين وفق ما نصت عليه قوانين ومواثيق الأمم المتحدة ذات الصلة.

–    كيف تقرؤون تصريحات المسؤولين الإيرانيين الأخيرة تجاه سورية ؟ وهل تبحث إيران عن بديل للأسد للحفاظ على مصالحها في المنطقة ؟
يبدو أنّ العلاقات الإيرانية – السورية تمر بمنعطف تاريخي، ربما يحمل مواقف إيرانية غير متوقعة خلال الأسابيع المقبلة، إذ تشعر القيادة الإيرانية أنها يمكن أن تخسر كل شيء. ونتيجة ذلك شهدنا في الفترة الأخيرة نبرة إيرانية جديدة بدأت تظهر على ألسنة كبار سياسييها، بأنه يجب تحقيق مطالب الشعب السوري، ووقف العنف تجاه المتظاهرين. ومن غير المؤكد ما إذا كانت هذه القيادة تريد أن تتنصل من حليفها الاستراتيجي بأسلوبها البراغماتي المعروف، أم أنها مجرد مناورة تريد من خلالها لعب دور وسيط بين النظام ومعارضيه ؟

–    هل يمكن أن تشرح لنا قوى المعارضة التي تقود الثورة أو المرشحة لحكم سورية ؟ وما دور الإسلاميين في الثورة الحالية ؟
من ايجابيات الثورة السورية أنها سرّعت من عملية الفرز داخل أوساط المعارضة السورية. إذ ثمة ما اصطلح على تسميته معارضة الداخل، وهي بقايا الأحزاب والشخصيات السياسية التي عانت الأمرّين من ظلم السلطة   طوال أربعين سنة  [تتوزع على ائتلافين رئيسيين: إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي الذي تأسس في 16 أكتوبر 2005 وعقد مجلسه الوطني بدمشق في أوائل ديسمبر 2007، وهيئة التنسيق لقوى التغيير الديمقراطي التي أُعلن عن تأسيسها في 30 جوان الماضي وعقدت مجلسها الوطني الموسع بدمشق في 16 سبتمبر]، ونجحت في الحفاظ على كياناتها وحضورها على رغم حملات القمع والإقصاء والسجون، لكنّ سنوات الاستبداد الطويلة أورثتها حزمة من الأمراض أربكت دورها وحدّت من فاعليتها.
وفي المقابل، هناك معارضة الخارج وتتألف من المنفيين السياسيين وهم كثر، ولهذه الكتلة خصوصيتها وشروط عملها المختلفة، فهي في منأى عن القمع وتمتلك هامشاً واسعاً من الحرية والنشاط، ما يجعلها الأقدر على مد الحراك الشعبي بأسباب الدعم وبخاصة التعبير السياسي والإعلامي عن همومه ومطالبه وكسب الرأي العام في الخارج.
أما الكتلة الثالثة، فهي قوى الانتفاضة الشعبية وهي الجسم الشبابي الحيوي الفاعل والواعد، والذي نهض بصورة عفوية دفاعاً عن كرامة السوريين وحريتهم من غير قوى سياسية تقوده ومن دون شعارات أو برامج مسبقة. ويبدو أنهم في طريقهم – عبر إعلان الهيئة العامة للثورة السورية – لاستكمال تشكيل قوة واحدة قادرة على العمل الميداني والسياسي المتسق.
ومن جهة أخرى، لا شك في أنّ الملاحظ لمسار الثورة السورية يتلمس مسألتين: أولاهما، انطلاق التظاهرات من الجوامع أيام الجمعة. وثانيتهما، ترداد الكثير من التعابير الإسلامية في تلك التظاهرات. وبالرغم من ذلك ليست حركة  » الأخوان المسلمين  » مسؤولة عن الثورة الشعبية السورية، فهي غير موجودة تنظيمياً في سورية. ولكن من المرجح جداً أن يكون للإسلاميين وزن في الحياة العامة والسياسية في سورية بعد سقوط النظام، لكنه لن يتجاوز نسبة 20 %.
وهكذا سيتعين على كتلة العمل والثقافة أن تبلور توازنات جديدة، تصون الحرية المكتسبة بعد كفاح شاق، وتضمن استقراراً مواتياً للتراكم الوطني، وتؤسس لنشوء تقاليد سياسية  واجتماعية جديدة.

–    نلاحظ أنّ الربيع العربي أفرز صعود التيارات الإسلامية في العالم العربي فهل يقبل الغرب بهذا الصعود ؟ وفي المقابل كيف سيتعامل الإسلاميون في حال صعودهم إلى الحكم مع الغرب ومع الأطراف السياسية الأخرى ؟
ثمة مؤشرات عديدة على أنّ أغلب مراكز التفكير الغربية، منذ أواسط العقد الماضي، قدمت استشارات إلى حكومات بلدانها مضمونها: إنّ اندماج الإسلاميين في حياة سياسية ديمقراطية يمكن أن يساهم في تفكيك جماعاتهم المتطرفة، ونزعتهم المطلقة التي سيضطرون إلى تخفيفها تدريجياً في مجرى التفاعلات السياسية التي سيشاركون فيها وما تنطوي عليه من صراعات وتحالفات وائتلافات وتسويات تفرض المرونة والاعتدال.
وإذا كان صحيحاً أنّ وصول إسلاميين إلى الحكم في بعض البلدان العربية لم يعد افتراضاً بعيداً، بل صار احتمالاً قائماً. غير أنه إذا حدث ذلك سيكون ضمن ائتلاف أوسع نطاقاً على الأرجح، ولن يقلب المعادلات في المنطقة رأساً على عقب، بخلاف ما يظنه بعض من يتحدثون عن  » شرق أوسط إسلامي « .
إنّ الذي حرّك شباب الربيع العربي هو الحرية والكرامة وليس كراهية الغرب، وليس ما حققه الشباب العربي اليوم هو العمل على سيادة دولة الحق والقانون فحسب، وليس فقط إسقاط ثلاث طغاة وربيعه لما يبدأ بعد، إنما هو تقليص وجود الجهاديين الذي كان بمثابة تهديد دائم. فقد حقق الشباب العربي ما لم يفعله الغرب، ووضع الإسلاميين أمام خيار الديمقراطية وضمنه أنموذج  » العلمانية المؤمنة  » التركي والانفتاح على العالم.

   ما موقف إسرائيل مما يجري في سورية ؟ وتقييمكم لموقف الغرب ؟ – 
يتابع الإسرائيليون الأوضاع في سورية باهتمام كبير، وترى أغلب الأوساط الأكاديمية والأمنية أنّ الثورة السورية قد تجلب مخاطر أمنية على الحدود الشمالية لإسرائيل، بعد أن ظلت هذه الحدود آمنة عشرات السنين. فيما يعتبر آخرون أنّ تغيير النظام السوري، يصب في مصلحة إسرائيل، لأنه سيُفقد إيران حليفها الرئيسي في المنطقة.
أما بالنسبة لتقييمي لموقف المجتمع الدولي، يبدو لي أنّ استمرار الثورة سيفرض نفسه على الأجندة الدولية والإقليمية، وسيكون هناك مزيد من المواقف الدولية التي تتناغم لمصلحة تدخل دولي إنساني.

تونس في 22/9/2011                  الدكتور عبدالله تركماني
                                     كاتب وباحث سوري مقيم في تونس

 – نُشرت في صحيفة  » المغرب  » التونسية – 29/9/2011

Source : http://all4syria.info/web/archives/30163
Date : 1/10/2011