البحث عن الشوكولا بين الدماء – سلام الكواكبي
أضحى من شبه الممل تكرار توجيه إصبع الاتهام إلى انعدام المسؤولية الإنسانية والأخلاقية، ولا بل حتى السياسية، لدى عديد من « مفاتيح » السياسة الدولية، بشقيها الوطني والأممي. وصارت التعبيرات عن « القلق » أو عن « الصدمة » بعد كل مجزرة جديدة تقترفها قوات « حكومية » أو عصابات مسلحة مصدراً للتندّر المرير لدى المراقبين والمهتمين. في المقابل، لا يمكن الانحراف عن مراقبة استمرار هذه المواقف وتكرارها وتطورها وتنوعها. وعلى الرغم من فقدان أي أمل بأن تتغير المواقف، أو أن تصير أكثر جديةً ومسؤوليةً، إلا أن الظاهرة، ولو النفسية، لمطلقيها، تستحق الدراسة والتوقف عند معانيها المباشرة أو غير المباشرة
فبالتأكيد، ليس « القلق » المستمر لدى أمين عام الأمم المتحدة السيد بان كي مون متلازمةً شخصيةً أتى بها من بيت أهله، أو أنها خاصية جينية، ترتبط بتكوينه العضوي، فالأمين العام يلعب دوره المنوط به في إطار هذه المنظمة الأممية التي يسيطر عليها، ومن دون أية عملية إصلاح منذ قيامها، دولٌ بعينها تفرض سياساتها أو إراداتها على جميع مساراتها. وبالتالي، فهو أمينٌ مُخلص على وظيفة معينة. ومن المحتمل، أحياناً، أن تلعب الشخصية الذاتية للموظف في إعطاء بعض جرعات الشجاعة في المواقف الصوتية ليس إلا. إن هامش سلطته أو تحركه أو دبلوماسيته لمحدود للغاية، وأي خروج عن النص سيؤدي به إلى خسارة منصبه
ينسحب هذا النمط المطلوب ممن يطمح بالوصول إلى مناصب من هذه النوعية، أيضاً، على مرشحي المستقبل ومرشحاته. فما يبدو من نفاق مهني وأممي تمارسه السيدة إيرينا بوكوفا، المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، والمتمثل بتصريحات هلامية واستنسابية وانتقائية حول المسؤولية في تدمير التراث السوري، ودرجة التكنوقراطية في حيادية تصريحاتها، إلا جزء من حملتها الانتخابية الاسترضائية، روسياً وأميركياً، في سبيل الوصول إلى منصب أمين عام الأمم المتحدة الذي ترشحت إليه
هناك إذاً « كود » معين في هذه الأوساط، المخملية، وأي خروج عنه سيُكلّف صاحبه فقدان
« ثقة » أصحاب الشأن والقرار الكبار الذين قامت عليهم المنظمة الأممية، من دون الأخذ بعين الاعتبار مصالح أيٍ من الصغار الذين يتم استرضاؤهم بفتات المناصب وقمامة المهام. وفي هذا الإطار، وضمن هذا المنطق، يلتزم ستيفان دي ميستورا، المبعوث الخاص للأمم المتحدة في الملف السوري، بدفتر الشروط هذا، على الرغم من أن من سبقه، على علاّته، استطاع تسجيل موقفٍ ما في لحظةٍ ما، وحظي بتقديرٍ ما، أو حدٍ أدنى من الاحترام. فالسيد دي ميستورا يريد إجراء المفاوضات بين السوريين بأي ثمن، وبمن حضر. لا يهمه أن يُميّع وفد المعارضة، وأن يُضيف على خلطته، المعقدة أساساً، خلطة سامة، اجترعتها مكاتب أمنية مرتبطة روسياً أو إيرانياً أو دولاتياً. فهو إنْ يعتبر، في سابقةٍ أمميةٍ قلّ نظيرها في الوقاحة، أن مجموعة « معارضة » تم الأمر بتشكيلها في قاعدة عسكرية لقوات أجنبية على أرضٍ وطنية، تمثل شيئاً، مهما كان هذا الشيء، ويتوجب مشاركتها في « مسخرة » المفاوضات. هو إذاً لا يُعبّر بهذا الاستقطاب العبثي عن قناعته السوسيولوجية بوجوب شمول التمثيل وتوسيع المشاركة، بقدر ما يُترجم رغبةً صارخةً لديه لاسترضاء القوى الكبرى التي توظّفه. كما أن محاولاته، غير الناجحة حتى الآن، في جعل قوى المجتمع المدني السوري تلعب دور حصان طروادة في اختراق جدار الهيئة العليا للمفاوضات، والالتفاف على المطالب السياسية المشروعة بحجج « الحيادية »، تُشير أيضاً إلى أن ما يسعى إليه، في النهاية، ليس هو حلٌ عادل ومتوازن، بقدر ما هو حلٌ يُناسب القائمين على توظيفه
تتكرّر المجازر الصارخة يومياً، وكان جديدها قصفا جويا لمخيم لاجئين داخليين في الشمال السوري، ومقتل أكثر من 30 إنساناً. وأعظم ما وجدته المنظمة الأممية من عبارات هو الدعوة إلى تحقيق عاجل في أسباب (ومسببي) الحدث الجلل الذي استهدف مدنيين، في ظلّ تهدئة مصطنعة، أقرتها القوات الروسية التي تعمل على الأراضي، وفي الأجواء السورية. لربما تبين لاحقاً أن هذا الدمار قد نجم عن ماس كهربائي أو عن انفجار غاز الطبخ (…)
أحد معلمي وآمري من سبق، جون كيري، وزير خارجية بلاط باراك أوباما اللزج بدماء السوريين، يوزّع ابتسامات في جنيف، بعد أن طار إليها للبحث في انهيار « الهدنة » الوهمية في سورية. يلتقي من يهمه الأمر نسبياً أو قليلاً، ويُناقش مسؤوليات الانتهاكات برؤوس الأصابع وبطرف اللسان. ويؤكّد على ضرورة العودة إلى طاولة المفاوضات، كأنها وجدت أصلاً، محمّلاً الغائبين مسؤولية إفشالها، وإيصال الأمور إلى حائطٍ مسدود. وفي حين كانت مدينة حلب الشهيدة تلفظ أنفاس سكانها الأخيرة من طرفي الصراع، كان السيد الوزير يتوجه إلى الصحافيين في شوارع جنيف المشمسة، مُعبّراً عن خيبته من نتائج مباحثاته (مع من؟) ومضيفاً أن « الحالة السورية أصبحت خارج السيطرة ». .. غادر السيد كيري المؤتمر الصحافي إلى أسواق المدينة السويسرية، لشراء قطع الشوكولا الفاخرة التي أوصته زوجته عليها، كما صرّح أيضاً