التغيير أو الحرب الأهلية وتفتيت سورية : جميل النمري
« الفيتو » الروسي الصيني على قرار مجلس الأمن يضع حدّا نهائيا للآمال بحلّ سياسي تفرضه الأمم المتحدة في سورية. وبالتزامن، صعّدت قوات الأسد حملتها الدموية في مختلف المناطق، وارتكبت مجزرة رهيبة في حي الخالدية في حمص، وزاد ضحايا القصف المدفعي الهستيري عن مائتي مواطن في ساعات.مع الأسف، الحلول السياسية أصبحت وراء ظهرنا؛ فالنظام لا ينوي التراجع أو التغيير، وخياره الوحيد البطش والإخضاع، ومن الواضح أن الشعب السوري بأغلبيته شبّ على الطوق، ولم يعدّ مستعدا للخضوع، فقتل المتظاهرين العزل بلا هوادة، واعتقال عشرات الآلاف وتعذيب المئات منهم حتّى الموت لم يفت من عضد الانتفاضة التي استمرت بنفس الزخم وأقوى مع انشقاقات في الجيش نشأ عنها الجيش السوري الحرّ الذي أصبح قوّة حقيقية تتسع أكثر كل يوم.وهكذا، فالمواجهة مرشحة فقط للتصاعد، أكان على مستوى المظاهرات والمسيرات الشعبية السلمية وربما غدا العصيان المدني العام، أو على مستوى المواجهة المسلحة بين الجيش الحرّ وميليشيا النظام وعساكره. والمواجهة المسلحة لن تعني أننا أمام صراع على السلطة بين طرفين؛ فالثورة لا تطلب السلطة لأحد، بل الحرية والديمقراطية ومشاركة الناس في تقرير مصيرها. ولو أن نظام الأسد استجاب مبكرا للإصلاح، لكان حزب البعث طرفا مثل غيره شريكا في الحياة السياسية والمنافسة الديمقراطية، لكن الحزب في الحقيقة ليس حزبا، بل إطار اسمي لسلطة دكتاتورية فاسدة عائلية وطائفية بلا قيم إنسانية، تتشبث بموقعها بأي ثمن، ولو بإبادة أي عدد من الناس وارتكاب بشاعات تقشعر لها الأبدان.واقع الحال أن هذه السلطة فقدت شرعيتها، وأصبحت عصابة من القتلة لا يجوز أخلاقيا التعامل معها، بل يجب نبذها واحتقارها وعزلها ومحاصرتها. وكان الصحيح أن يتبنى مجلس الأمن المبادرة العربية بحذافيرها، لكن حتى بعد التنازلات الزائدة، وخصوصا شطب النصّ على تنحي الأسد، عادت روسيا لاستخدام « الفيتو »، وقبلت لنفسها حماية نظام مجرم. والحقيقة أن المصالح وحدها لا تفسر هذا الموقف الذي يقول الكثير عن طبيعة نظام بوتن السلطوي نفسه.النظام انتهى شرعيا وأخلاقيا، وكل تهاون الآن يعني تمديد الجريمة. يجب أن يتصرف العرب والعالم بعزم على هذا الأساس، ولم يعد ممكنا أن يضع أحد يده بيد سلطة ملطخة بكل هذا الدم، وهي مقبلة على حرب إبادة مع أغلبية الشعب. الحياد موقف لاأخلاقي، والواجب الوحيد الآن تسريع التغيير لتوفير دماء جميع السوريين، ومنع الانزلاق إلى حرب أهلية طاحنة بين الأغلبية من الشعب والأقلية في السلطة.على العرب تبني برنامج عزل وحصار شامل للسلطة الدموية، وتقديم الدعم السياسي والمادّي للثورة. ويجب أن يتبع الجميع المثال التونسي بطرد السفراء، وهذا ينطبق بالطبع على الأردن الذي لا يستطيع أن يبقى على الحياد، ويقبل برؤية سورية ذاهبة إلى الحرب الأهلية والتفتت التام