الثورة السورية بين قص الالسنة وتمجيد العسكر – وائل حمادة

Article  •  Publié sur Souria Houria le 20 novembre 2011

عبر قناة وصال الفضائية أطل الشيخ عدنان العرعور يوم الخميس الفائت على مشاهديه بخطاب حاد اللهجة حول موضوع التدخل العسكري في الشأن السوري وموقف المجلس الوطني منه ومن الجيش الحر.  وقد استهل الشيخ خطابه بعبارة استفزازية للغاية عندما قال: « كل واحد من المجلس الوطني يقول ما نريد تدخل (عسكري) بدي قص لسانه أنا بدي قص لسانه » ومضى في تخصيص هذا التهديد ليشمل أي عضو من المجلس الوطني أكان رئيساً أو كائنا من كان.  وإذا لم يلب المجلس الوطني مطلب التدخل العسكري فهو ليس وطنياً بل هو « للخيانة أقرب »

ولكن الشيخ مضى بعد ذلك في سرد بعض المطالب التي اعتبرها غير قابلة للنقاش على أساس أنها منسوبة للشعب داعياً المجلس الوطني لتبنيها فوراً، وهذا رابط المقابلة

http://www.youtube.com/watch?v=jN7GMkaQZ6k&feature=share

وقد استدعت عبارة قص اللسان ردود فعل كثيرة كما يجب أن يحدث طبعاً على اعتبار أنها تمثل أسلوباً إقصائياً ينتمي إلى حقبة غابرة ويعتبر بديهياً مرفوضاً تماماً بمنطق الثورة ومبادئها، ولكن في نفس الوقت حجب هذا التركيز حول شكل الخطاب مشاكل الذي أعتبره أهون الشرين مشاكل حقيقية في مضمون الخطاب قد تكون أكثر خطراً وأشد وبالاً على حاضر الثورة وسوريا المستقبل.

وسأطرح في ما يلي بعض النقاط نقداً لمضمون ما جاء في خطاب الشيخ العرعور وأدعو القارئ هنا إلى مشاهدة مقطع الفيديو بالكامل قبل المضي في المطالعة

أولاً: فكرة تقديم العسكري على السياسي بإطلاق وتحريض الجيش السوري الحر على أن يتمرد على أي محاولة حالية أو مستقبلية من قبل المجلس أو أي قيادة سياسية أخرى لاستيعابه وضبط فعالياته بأجندة سياسية فكرة غاية في الخطورة. وهي تتنافي مع أدنى متطلبات « مدنية الدولة » التي يفترض أنها تشكل الركيزة الأساسية لرؤية الثورة لسورية المستقبل. هذه المقاربة تعبئ الشارع على الزهد بالإنجازات السياسية والتمجيد والإعلاء المطلق للإنجازات العسكرية الأمر الذي يخرج العمل العسكري عن طبيعته الوظيفية المفترضة في ظل الدولة المدنية ويفتح الباب على مزالق عدة بسبب غياب الأجندة الواضحة الضابطة لعمليات الجيش، منها احتمال انزلاقها نحو عمليات انتقامية تأخذ ابعاداً طائفية وتقود إلى ما لا يحمد عقباه على مستوى الحفاظ السلم الأهلي وصيانة النسيج الاجتماعي من التفكك، ومنها محاولة قادة الجيش الحر لعب دور سياسي بعد نجاح الثورة في ظل نشوة النصر لا سيما إذا كانت مساهمة الجيش في تحقيق ذلك النصر مساهمة فاعلة في هذا المجال وبدون رعاية أو قيادة سياسية

ثانياً: يتولد لدى المرء إحساس عام مستقرأ من الخطاب بالكامل أن الشيخ يحاول التقليل من شأن المجلس الوطني وهو يرمي إلى موضعته في مواجهة الجيش الحر المصطف طبعاً مع الشيخ (حسب اعتقاده) ومع الشعب على الرغم من أن العقيد رياض الاسعد صرح أن الجيش الحر يؤيد المجلس الوطني ولكنه يتوقع منه قدراً أكبر من الدعم. ومن ثم يصبح المجلس الوطني في تنظير الشيخ عبارة عن كيان غر طائش يقف كحجر عثرة في وجه مطالب الشعب لا داعماً لها. والشيخ يأخذ على المجلس الوطني أنه لم يعترف بالجيش الحر بعد شهرين (وهو عملياً تأسس في 2 أكتوبر) ثم يحذر الجيش الحر من أن ينضوي تحت أي قيادة ويضفي عليه ضرباً من ضروب السيادة المطلقة

ثالثاً) لو أننا أعدنا سماع الخطاب مع استبدال كلمة « أنا » بكلمة « الشعب » في كل مرة وردت تلك الاخيرة لوجدنا أن الشيخ يكاد يقول أنه هو الشعب والشعب هو. وهذا ليس بعيداً عن مفهوم النظام الذي يعتقد أنه هو الوطن والوطن هو. هذا أنموذج مثالي للخطاب الديماغوجي العاطفي الذي يحاول احتكار الحقيقة عبر الاستناد إلى شرعية مطلقة ما غير قابلة للرد أو النقد أو المساءلة. وعلى الرغم من أني أقر للشيخ بأن له اتصالات واسعة بشرائح الثوار على الأرض إلا أن ذلك لا يعطيه الحق أن يزعم وصلاً حصرياً بالشعب ووكالة احتكارية للتعبير عما يريده الشعب.  ومع عدم إنكار الاتصال الكبير للشيخ بالداخل، أقول أن المجلس الوطني الذي يُشْتَم من كلام الشيخ محاولة الحط من شأنه وتقزيم قادته وتزهيد الناس فيهم (ولا أدري أيدرك الشيخ خطورة ذلك في هذه المرحلة الحرجة أم لا) هو الممثل الحقيقي للثوار في الداخل عبر اتحاد التنسيقيات والهيئة العامة والمجلس الأعلى ولجان التنسيق المحلية المنضوية تحت راية المجلس الوطني. ومن ثم فإن الشرعية المؤسسة على التمثيل عبر آليات ديمقراطية أو شبه ديمقراطية بسبب صعوبة الظروف في الداخل هي الأجدر بالاعتبار

رابعاً: الشيخ وهو جالس في منبره مع مطلق الحرية في أن يقول مايشاء وبدون أية تدخلات ذات معنى تشكل أي قيمة مضافة من مقدم البرنامج المسكين يناشد أطرافاً عديدة للتدخل في الشأن السوري. يناشد السعودية والأردن والملك عبد الله « الشهم » ويناشد تركيا ويناشد الجامعة العربية ويناشد منظمة المؤتمر الإسلامي ومجلس الأمن إن كان فيه روح. هل هذا هو الخطاب السياسي البديل الذي يقدمه الشيخ للكم الهائل من التواصل وعمل اللوبي واللقاءات الديبلوماسية وورش العمل مع مراكز الابحاث القريبة من صنع القرار التي ما فتئ المجلس الوطني يمارسها ويعقدها ويشارك فيها على المستوى العربي والإقليمي والدولي منذ تشكيله من أجل أن تثمر هذه المناشدات تجاوباً عملياً على الأرض؟ هل يتوقع الشيخ أن يستجيب أحد لمناشداته عبر الأثير دون الاضطلاع بمتطلبات التجاوب العملية التي يقوم بها المجلس الوطني الذي يقلل الشيخ من شأنه؟ إن كان حقاً يعتقد ذلك فهذا طرح مفرط في السذاجة

خامساً: النقاط الخمس التي تقدم بها على أنها مطالب الشعب السوري لا تختلف في أول أربعة منها عن ما يحاول المجلس الوطني تطبيقه عملياً ولكن عبر خطوات دقيقة محسوبة تدريجية ومقيدة بالممكن السياسي حسب المزاج في المجتمع الدولي وبالضوابط التي قد تجنب سوريا الآثار الجانبية التي يمكن أن تكون مدمرة لمثل هذه الخطوات. المطلب الخامس والاخير هو النقطة الفارقة التي تمثل لب الخطاب: أن يتمرد الجيش على أية محاولة استيعاب وأن يبقى أميناً على مطالب الشعب (أو مطالب الشبخ العرعور إذ يتماهى الأمران في نظره) حيث يقدم نفسه بصورة واضحة لي على الأقل كمرشد روحي حصري للجيش السوري الحر ليعمل من خلاله على ممارسة سياسة فوهة البندقية تجاه الشأن السوري كبديل وحيد لا جدال فيه تحت طائلة قطع ألسنة أعضاء للمجلس الوطني وتبخيس مقاربته للشأن السوري برمتها

أنا طبعاً لا أرمي من وراء هذه القراءة النقدية التشكيك في الدور الهام الذي يمكن للجيش الحر أن يلعبه في الثورة بل على العكس. على الرغم من أن الثورة بدأت سلمية ولا تزال في طابعها العام سلمية فإن الجيش الحر وفر رافداً مكملاً لفعاليات الثورة وحافزاً مهماً لتشجيع الشرفاء من أبناء الجيش والقوى الأمنية على الانشقاق والتمرد وفي ذلك إضعاف للنظام وشد لأزر الثوار وحماية لهم من بطش الشبيحة في كثير من الأماكن. وكنت شخصياً أود من اللقاء الأول الذي جرى بين الجيش الحر والمجلس الوطني أن يصلا إلى آلية تنسيق مشتركة تجعل إمكانيات الجيش الحر في خدمة أجندة المجلس. ولكن إحدى المشكلات التي تحول دون تبلور هذه الآلية هي في انقسام المعارضة نفسها  وشغب بعضها على بعض. فذلك يؤثر على مقدار شرعية المجلس ومصداقيته أمام جميع الأطراف (الشعب والثوار والجامعة العربية ووالمجتمع الدولي وحتى الجيش الحر) والجيش الحر نفسه عانى من مشكلة مماثلة مع لواء الضباط الاحرار ولكن أقدار الله التي ساقت الهرموش إلى الاعتقال (فك الله أسره) ساهمت في بلورة شرعية الجيش الحر على الأرض. لذلك جزء من حل مشكلة المجلس الوطني هي في دعم الجهود الرامية إلى استيعابه لأكبر عدد ممكن من زعماء المعارضة البارزين المنضوين تحت مسمى هيئة التنسيق

 أخيراً، أنا بالطبع لا أدعو إلى قطع لسان الشيخ العرعور أو الحجر عليه ومنعه من التعبير عن رأيه لأني أختلف معه في الرؤية. فذلك يتنافى مع أحد أهم الثوابت القيمية والأخلاقية التي قامت الثورة على أساسها ولضمان تحقيقها على أرض الواقع في سوريا المستقبل. ولكني أدعو بوضوح لا لبس فيه للرد على الشيخ العرعور بالحجة ممن تقوم بهم الحجة. فعلماؤنا الأفاضل مقصرون في رأيي المتواضع في المبادرة إلى بسط الحجج والأدلة والبراهين في مواضع الالتباس والشبهة والغموض لاسيما في مثل هذه المسائل المفصلية التي يثيرها الشيخ العرعور في خطابه. وأنا على يقين أن دور علمائنا في إغناء الثورة وإثرائها فكراً ومنهجية ورشداً وتأصيلاً هو دور حاسم لا يزال يعوزه قدر وفير من الجهد والاجتهاد

كما وأدعو إلى استخدام هذه الواقعة بالتحديد كمحفز لتنبيه المجلس الوطني إلى خطورة تقاعسهم عن اجتراح الآلية المناسبة لاستيعاب الجيش السوري الحر ونشاطه ضمن استراتيجياتهم على الأقل إن لم نقل هياكلهم التنظيمية. فإن لم يفعلوا وتغافلوا عن وجوده فسيستوعبه غيرهم وقد يوظف أو يوجه قدراته في اتجاهات لا تخدم الثورة. ومن ثم فلن تحل إشكالية رهاب عسكرة الثورة القائمة في أذهان البعض.  هذه الإشكالية كانت تحول دون تجاوب أكثر فاعلية من المجلس الوطني مع ظاهرة موجودة على الأرض لن يفلح تجاهلها في جعلها تختفي كي يصبح الواقع أكثر ملاءمة للصورة الوردية الماثلة في مخيلة بعض أعضاء المجلس عن مسارات الثورة ومآلاتها

Sunday, November 20, 2011

https://www.facebook.com/notes/wael-hamadeh/%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D9%82%D8%B5-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%86%D8%A9-%D9%88%D8%AA%D9%85%D8%AC%D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1/139008236207150