الحلقة الذهبية من السلسلة الإيرانية – عيسى الشعيبي
من بين نحو عشرة تصريحات إيرانية صدرت تباعاً خلال أقل من شهر واحد، وكلها هائجة مائجة حول الأوضاع السورية المتفاقمة، أرى أن التصريح القائل بأن سورية تشكل الحلقة الذهبية في محور الممانعة، هو أكثر هذه التصريحات بلاغة في التعبير عن رؤية الجمهورية الإسلامية لمركزية النظام السوري في استراتيجية التدخل الهجومية الشاملة من جانب طهران، لاختراق العالم العربي وتقويضه من الداخل، ومن ثم الهيمنة على مقاليده.
ذلك أن الأقوال الإيرانية، مثلاً، أن الأسد خط أحمر، وأن المهدي المنتظر يقاتل في دمشق دفاعاً عن آل البيت، وأن طهران لن تقف مكتوفة الأيدي إذا ما حدث تدخل خارجي.. وغير ذلك من العنات الإيرانية العديدة، لا ترقى في مجموعها إلى مستوى القول إن سورية هي الحلقة الذهبية في السلسلة الإيرانية الممتدة من البصرة إلى صعدة، مروراً بغزة، وغيرها من الحواضر العربية التي تمكن آيات الله من الإمساك بها على هذا النحو أو ذاك، وبنوا فيها قلاعاً جانبية متفرقة لتعزيز القلعة الكبيرة في دمشق.
وإذا ما وضعنا ضاحية بيروت الجنوبية في مقدمة مواقع الاختراق الإيرانية الحصينة، ومررنا على سائر مواضع التمكن الأخرى المتفاوتة الأهمية، فإننا سنرى بالعين المجردة أن دمشق هي نقطة الارتكاز الأساسية التي بنتها طهران وراكمت فيها على مدى نحو ربع قرن مضى، كرافعة كبرى لمعظم امتداداتها في العالم العربي، بل وكقاعدة انطلاق قوية لتعزيز بؤر اختراقاتها في المشرق العربي؛ الأمر الذي يوضح مدى أهمية دمشق البالغة في منظومة التمدد الإيراني، وشدة تعلق طهران بها.
غير أن السؤال الذي ظل يراود الذهن كلما أعرب مسؤول إيراني عن استعداد بلاده للدفاع عن الحليف السوري مهما غلت الأثمان، هو: ماذا في وسع إيران أكثر لنصرة هذا الحليف الذي زلزلت الأرض زلزالها تحته؟ وما هي استطاعتها على التدخل أعمق بعد أن خرج الوضع عن السيطرة، وشبت الثورة المتعاظمة عن الطوق، وغدت كتائبها أكبر من قدرة أي قوة خارجية على لجم أو احتواء تمرد مسلح بات يشارك فيه عشرات آلاف المقاتلين، بعضهم على تخوم العاصمة دمشق؟
وليس من شك في أن إيران راغبة في التدخل بدرجة أوسع مما هو عليه مستوى تورطها الحالي، من أجل الحفاظ على قلعتها المتقدمة في قلب العالم العربي. غير أن القدرات الإيرانية على تنوعها لا تشكل سوى عامل إسناد متضائل الفاعلية مع مرور الزمن الذي صار يلعب بقسوة ضد بلد تراجع دوره السياسي والأخلاقي منذ بداية الربيع العربي، وخسر الكثير من موارده المالية تحت ضغط العقوبات الدولية المتزايدة، وبات موضع تهديد عسكري محتمل في أي وقت مقبل؛ الأمر الذي يغل اليد الإيرانية ويفت في عضدها بقوة.
ومع أن هناك تقارير يعتد بها عن تمويل إيراني طائل، وعن تقديمات لوجستية وتسليحية للنظام الآيل للسقوط، بما في ذلك خبراء ومتطوعون ومستشارون يديرون الأزمة، إلا أن ذلك كله لا يكفي وحده لإنقاذ أسرة الأسد من مصير محتوم إذا لم تلق طهران بجيشها وحرسها الثوري للقتال بصورة مكشوفة لصالح هذه الأسرة. وهذا أمر تحول دونه حقائق الجغرافيا العنيدة، خصوصاً بعد التطورات المرشحة للاتساع في كردستان والأنبار، وهبوب مزيد من الرياح غير المواتية لحليف إيران في بغداد.
إزاء ذلك كله، فإنه يمكن القول إن حدود التدخل الإيراني في الأزمة السورية ليست مرشحة للتوسع، إن لم نقل إنها دخلت في سيرورة التضاؤل. كما أن طهران التي كانت في ذروة قوتها السياسية والمالية غداة الحرب على لبنان العام 2006، وصعود ما يعرف باسم حلف الممانعة، لم تعد اليوم في تلك القدرة، ولا في حولها البذل أكثر لصالح حليف يعمل الزمن ضده؛ ما يجعل من كل هذه التصريحات الإيرانية المتواترة مجرد تهويلات وتوعدات غير قابلة للتحقيق، بحكم كل العوامل الذاتية والموضوعية.
http://www.alghad.com/index.php/crew/152724.html