السادة الأساقفة، على مذابحنا بقعٌ من دم – نيراس شحيد
نادت الكنيسة دائماً بحق كل إنسانٍ في الحرية والكرامة، وحثت العلمانيــين على النضــال المســتنير من أجل هذا الهدف النبيل، وطلبت من رجال الدين دعم هذا الواجب، ولكن من دون الانخراط المباشر في العمل السياسي الميداني، مما يؤهلهم لأن يكونوا مرجعاً للجميع. أين نحن من هذا النداء في سوريا؟ مِن كهنتنا من هو بعثي، ومِن أساقفتنا من لا يتردد في تخوين كل المتظاهرين، ومِن بطاركتنا من لا يكف عن كـيل المدائح للنظام، في الوقت الذي لا يجرؤ فيه كاهنٌ على غسل جراح ماضينا، أو أسقفٌ على الوقوف في وجه أجهــزة الأمن ليكرر وصية من لا يموت: «كفاكم قتلاً!». وبدلاً من أن يكون يوم الثالث والعشرين من حزيران المنصرم يوم صومٍ وصلاة، كما ورد في بيان أساقفة دمشق، تحول تجمع المؤمنين في كنيسة الصليب الدمشقية إلى مهرجانٍ خطابيٍ سياسي، وازدادت الدمعة بريقاً
لا يُسأل شعبنا بل يتكلم بعض أساقفته عوضاً عنه ليقولوا للجميع: «هو لونٌ واحدٌ هذا الذي لا ينـفك يردد «نعم نعم…»». أما الحرية فليست إلا «مؤامرةً» و«عصابات»، وكأن أناساً لم يوجدوا يوماً ليخرجوا من دون أن يعودوا، وتصدح أصوات من يحملون أشلاءهم «سلمية سلمية» فيكرر الواعظ «مندسون مندسون». ويدخل الجيش المدن وتتعالى هتافات الشارع وتغرق الكنيسة في صمتها، «نعم نعم…»، وتبرق الدمعة من جديد. أما مستقبل الحراك فلـيس إلا «إماراتٍ سلفــية»، وكأن لا مسيحيين ولا علمانيين يخرجون كل جمـعةٍ من المساجد، وكأن لا مناضلين مدنيين يُخطفون من ديارهم، وكأننا لم نكن جيراناً، وكأن لا ماضيَ مشتركاً لنا، وكأن لا خـبز ولا ملـح ولا قهوة بيننا. من أفواه بعض خطبائنا يطلق رصاص الكلـمات، ومن حناجرهم تصـدح عبارات المديح والولاء لتُخــرس ما لا يمكن إخراسه: حنجرة ابراهيم قاشوش. من جــسد المسيح على الهياكل ينزف حمزة وهاجر، ومن جنب ذلك الـناصري تمتزج حماة بدير الزور، ويردد الواعظ من جديد «مندسون مندسون» وبدلاً من أن تقوم الكنيسة الرسمية بالتأكيد على القيم الإنسانية، وبدلاً من أن تترك لمؤمنيها حرية خــياراتهم السياسية بحسب صوت ضمائرهم، وبدلاً من أن توصي المسؤولين بوقف القمع، والمتظاهرين بضبط النفس كي لا تنجرف البلاد إلى مزيدٍ من المآسي، وبدلاً من أن تطرح تأجج الشارع السوري في إطاره التاريخي حيث استفــحل الفــساد وصودرت الحريات لعقودٍ مديدة، يتبنى بعض رجال الكنــيسة في سوريا موقفاً سياسياً واضحاً مؤيداً للنــظام الــقائم، وتُعزف الموسيقى ويُزج بشبابنا في احتفالات ساحة الأمويين بدلاً من الحداد على أرواح من سقطوا، ويزداد الجرح عمقاً، فيتردد صوت المسيح قادماً من بعيد: «أعطوا لله ما لله ولقيصر ما لقيصر»، ولكن الواعظ يردد من جديد «مندسون مندسون». وكأن شيئاً لم يكن، وكأن لا ذكريات نازفةً لشعبنا، وكأن كل المتظاهرين مجرمون يباعون ويشترون، وكأن الخوف قد صلب الرجاء اعذروا، سادتي وأساقفتي، أشجان راهبٍ صغيرٍ مثلي لا يفقه في الحياة إلا القليل، واعذروا أصوات من رفض من أبنائكم انحياز العديد من رجال الدين، فللبلاد العربية ربيعٌ يهلّ يوماً وللكنيسة سيكون نوّارها
السفير – 05/08/2011
|