السورية العلوية سمر يزبك « تقاطع نيران » – حسن البطل
« رسالة غريبة وصلتني: أيها الكافرة السافرة. إن الثورة السورية لا تريد بين صفوفها علوية كافرة مثلك »!
الكافرة هي سمر يزبك، ابنة مدينة جبلة السورية، العلوية غالباً، والمقيمة بدمشق، لكنها في نظر أجهزة النظام « خائنة ». بين كافرة سافرة وخائنة وقعت سمر في « تقاطع نيران » وهذا عنوان كتابها الفريد عن الشهور الأربعة الأولى من الانتفاضة السورية. « ليست توثيقاً. مجرد أوراق. كتابة حقيقية ـ واقعية ».
مأساة امرأة، تلخص مأساة شعب وبلد ووطن.. سوى أنها سورية علوية ديمقراطية، سليلة عائلة لها باع في النضال السوري الوطني ضد الاستعمار الفرنسي. امرأة وأم صبية في ميعة الشباب. امرأة لا حصانة لها من التعذيب الجسدي، ولا حصانة لابنتها من تهديدات الاغتصاب.
مع « يوميات » الشهور الأربعة الأولى من الانتفاضة السورية، قد نقول: هذا توثيق ساخن ـ راعف ـ شهادة وشاهد عيان من نشطاء انتفاضة بدأت سلمية « سلمية.. سلمية.. لا علوية.. ولا سنّية » لكنها وقعت في « تقاطع نيران » فهي « كافرة سافرة علوية » في رأي فريق، و »خائنة » لطائفتها في رأي فريق. الفريق السلطوي يراقب هاتفها وجوالها وحسابها على الإنترنت. « أفيق وأنا أتلمّس جلدي. كلي اعتقاد أني شخصية في رواية. أشرب قهوتي، وأفكر أنني أفكر بامرأة سأكتب عنها رواية. أنا رواية. أنا أكثر من رواية حقيقية يمكن أن أكتبها في يوم من الأيام ».
يوميات « تقاطع نيران » صدرت عن « دار الآداب ـ بيروت » وهي تطرح سؤالاً: هل تبرعم أدب الانتفاضة السورية، أكثر الانتفاضات العربية بسالة وأكثرها دموية. وجدت كتابها بين يدي ابنتي في لندن. أحياناً لندن أقرب إلى دمشق من قرب رام الله إليها. في آخر يومياتها تقول إنها ستخرج من البلاد، وعلمت من ابنتي أنها قدمت في لندن شهادة شفوية طويلة عن انتفاضة شعبها في مركز تابع لمؤسسة القطان. هل عادت لبلادها؟ لا أدري ولا تدري ابنتي.
من وحي كتابها وشهادتها، وأولاً انحياز الابنة التام للثورة السورية، قبل الكتاب والشهادة، ستقيم الابنة في متحف بيت ليتون نشاطاً فنياً يتمحور حول « حيّز الحداد » وتلاشي الحيّز في ظروف الثورة، مثل التشييع والدفن في الليل. المتحف قديم أسسه لورد مستشرق، في قاعة « الصالة العربية » وجدرانها مكسوة ببلاط دمشقي قديم. على كل بلاطة مرسومة باليد ترسم الابنة رسماً فنياً لشهيد من شهداء الثورة السورية.. يرافق المعرض صوت تظاهرات تغني: « سكابا يا دموع العين سكابا.. » المعروف في فلسطين، أيضاً، والمهرجان في تشرين، وهو جزء من أوسع نشاط تحت اسم « نور » عن الانتفاضات العربية.
سمر يزبك ليست محايدة، إنها منحازة للشعب وضد النظام، وضد « سياسة إعلان الحرب على الشعب » حرب طائفية يقودها النظام » لكنها مثل البط الداجن صارت تشارك عن بعد في تنظيم الاحتجاج والتظاهرات، فهي الكافرة السافرة العلوية، وهي الخائنة للعائلة والطائفة والنظام « ماذا يريدون أكثر؟ تركت بيتي، وقطعت علاقتي بعائلتي، وأعيش متخفية، وأكتب بصمت.. وأيضاً، تستعين بحبوب « الاكزناكس » لتنام هرباً من كوابيس النهار.
يصطحبها جلاوزة النظام إلى أقبية التعذيب، يعذبونها جسدياً بحساب، وروحياً يسحقون روحها بلا حساب، كانوا يلطمونه على وجهه كل اللكمات تتجه إلى الوجوه، كأنهم يريدون إهانة من يضربون. ماذا يملك الإنسان إلاّ وجهه كتعريف له »؟
النظام جرّ انتفاضة سلمية إلى العنف، فانجرت. لكن حتى في الشهور الأربعة الأولى حصلت أخطاء كثيرة للانتفاضة: « الآن أستطيع أن أقول كما يقول الكثيرون: النار تطهر. النار تجلو. النار إما تحوّلك إلى رماد أو تصقلك.. وأنا في انتظار الأيام القادمة، كي أعيش الرماد، أو أرى مرآتي الجديدة ».
لم أقرأ شيئاً شبيهاً عن أدب الانتفاضات العربية. امرأة سورية علوية عريقة، مطلقة، متحررة، منحازة لوطنها وشعبها.. وفي دائرة « تقاطع نيران » وكل حدث في كل يوم يقع على روحها وعقلها وقع ماء على صفيح ساخن جداً. الواقعة والمونولوج لكل حدث في كل يوم. عذاب شعبها عذاب روحها.
صدق فاحش، بكتابة حرفية عالية، كما هي عند المثقفين السوريين.. وأفضل أجيال سورية في غمرة النيران. « حدا بيعلق مع الدولة » يقول لها شوفير، لكنها علقت مع الدولة والنظام والطائفة والشعب والانتفاضة!
.. وفي 25 آذار 2011 وفي « جمعة المجد » سقط أول قتيل في دمشق!
.. وفي 8 أيار « هكذا تجرّ الجنازات جنازات »!
أدب جديد لسورية جديدة ـ عروبة جديدة ـ وداعاً لمسرحيات « غوار الطوشة » ومسلسلات « باب الحارة »!.