السوريون بين نارين… الموت البطيء أم العدوان الخارجي ؟! – يارا بدر

Article  •  Publié sur Souria Houria le 4 septembre 2013

بعد أكثر من عامين ونصف استيقظ السوريون المنتشرون في مختلف أصقاع الأرض, مُهجرون, لاجئون في المُخيمات, أو صامدون في الداخل السوري, استيقظوا صباح يوم الأربعاء 21 آب 2013 على أخبار القصف الكيماوي في الغوطتين الشرقية والغربية من ريف دمشق. كثيرون تمحور تعاطيهم مع المجزرة التي راح ضحيتها أكثر من 1400 شهيد, معظمهم من الأطفال والنساء, في مستواه الإنساني. فقد اعتاد السوريون الاستيقاظ على أخبار المجازر, كما اعتادوا على التنديد الغربي وقلق السيد الأمين العام للأمم المتحدة « بان كي مون » أو « بالغ قلقه ». لكن التغاضي الأمريكي وصل إلى حافته حين تمّ تحدّي مقولة الرئيس الأمريكي « باراك أوباما » بأنّ: « الكيماوي خط أحمر ». ليغدو الأمر شخصيّاً جداً بالنسبة للسيادة الأمريكية وموقفها الدولي.

على أثره تعالت الأصوات المُطالبة عربياً ودولياً برد حاسم, واكتفت الحكومة الأمريكية بالتأكيد أنّ الرد العسكري هدفه « عقابي » وليس « القضاء على النظام », ومع ارتسام ملامح مرحلة جديدة بمظلات دولية تدعم أو تعارض الرد العسكري, شهدت صفحات التواصل الاجتماعي حرباً مماثلة لنشطاء ومثقفين سوريين, فبعد أن عرف الشارع السوري انقساماً منذ لحظته الأولى بين مؤيد للحراك الثوري, ومؤيد للنظام السوري, وكتلة صامتة, تتابع الانقسام ليكون محوره اليوم الضربة العسكرية.

ففي حين يرى البعض في هذه الضربة أملاً لكسر متلازمة الاستنزاف اليومي التي يعرفها السوريون منذ أن انتفضوا لأجل كرامتهم وحريتهم, يراها آخرون اعتداءً غاشماً سافراً يؤكد ويثبت مقولة النظام بنظرية « المؤامرة الكونية » عليه, وما بينهما ينظّر البعض أنّ الضربة ستقوي النظام ما دام هدفها « عقابي » وستحمّل الثورة أضراراً أكثر ممّا ستأتيها بالإيجابيات, ويرد آخر بأنّ كل هذا متوقف على رد فعل النظام السوري على الضربة, وليس آخر المتناحرين كلامياً أولئك المتوجسين خيفة على مصير المعتقلين في أقبية النظام, والذين يبدو أنهم الضحية الأولى للضربة التي غالباً سوف تستهدف المطارات, التي تمّ شبه إخلائها من عناصرها العسكرية, ليبقى في أقبيتها المعتقلون فقط, يعدون الساعات في ظلام انتظارهم.

بعيداً عن كلام البوستات السريع على صفحات الموقع الأزرق « الفيسبوك », توجّهت « حرية » بالسؤال إلى بعض النشطاء السوريين حول موقفهم من موضوع الضربة:

يقول الصحفي المُقيم في بريطانيا « آرام طحان »: (قد يكون الأجدى في هذه المرحلة  إيقاف هذا الانقسام النظري حول تدخل عسكري يبدو محتوماً, والاتفاف على صياغة طرق وأساليب عملية تسمح بالاستفادة منه إلى الحد الأقصى، إن لم يكن تحويله من تدخل جراحي إلى عملية مدروسة للتخلص من الأسد. لعلّ الفرصة التي فوتتها المعارضة السورية في كسب البرلمان الانكليزي خير دليل على هذا الانقسام، وإن كان فساد وتبعية وتشتت هذه المعارضة لا يحتاج لدليل بعد عامين من التخبط المعيب.

« لا يكفي تفسير الواقع، بل لا بد من العمل على تغييره » كما يقول ماركس، وكما لا يسمع الكثيرون).

أمّا المخرج السينمائي « عروة الأحمد » فيقول: (هدف الرئيس الأميركي واضح, وهو إعطاء فرصة للأسد للخروج من سوريا لتجنّب الدخول في صراع عسكريّ لا تريده أميركا ولا أوروبا, وإلا لاتَّخذو قرارهم منذ سنة على الأقل). ويُضيف: (أرى أنّ أميركا ستوجه ضربةً نوعيّةً, ثمّ ستعترض روسيا على الضربة الأميركية في اجتماع مجلس الأمن, تلك الضربة التي ستكون تنبيهاً للأسد للمضيّ مع المعارضة إلى جنيف 2, والاتفاق سوياً على وقف القتال وإجراء إنتقالٍ فوريّ للسلطة في سوريا).

ويختم الأحمد بالقول: (أرى أنّ الضربة هي الخيار الوحيد للتخلّص من الأسد المدجج بدعمه الروسي الإيرانيّ في معادلةٍ صعبةٍ كهذه مدادها دماء السوريين, ولكن لا أرى أن الضربة ستكون بمثابة إعادة توازن للقوى. وليكن في حسباننا بأنه ستظهر لنا « أُسُودٌ » سورية أميركية كثيرة, من الطرفين, يصعب التخلّص منها).

من جهته يرفض الناشط السلمي زيدون الزعبي الضربة, ويقول: (من دون مقدمات أنا ضد الضربة العسكرية الأمريكية لأسباب عدة: أولاً أنا أرى أنّ هناك حربا مدمرة في سوريا, ولم أسمع قط عن حرب توقف حرباً. ثانياً ذاكرتنا مع الأمريكان لا تحفل بالكثير من الأيام السعيدة, الحرية التي يطالب بها السوريون طالب بها الفلسطينيون وصدموا دوما بالفيتو الأمريكي. أمّا ثالثاً فقد دفع السوريون حياتهم كرمى لحريتهم على مدى عامين ولم تدخل أمريكا بمشروع قرار واحد إلى مجلس الأمن, إذ كانت مشاريع القرارات دوما أوروبية, فعندما تدخل أمريكا بمشروع قرار لن تجرؤ روسيا ولا الصين على الفيتو. رابعا:ً طوال عامين ونحن نقول بأن النظام يعيش لأن أمريكا تريد ذلك فهل ضربة محدودة ستزيل النظام أم أنها ستعيد لتؤكد شكوكنا الأولى. خامساً: لو أراد الغرب مساعدتنا لعمل على تنظيم السلاح).

آراء الناشطين والمثقفين السوريين يمتزج فيها الأمل بوقف تدّفق الدم السوري, بالغضب من خداع ألعاب سياسية استمرّت عامين وأكثر, بالخلفيّات الأيديولوجية التي ترى في روسيا الصديق الوفي للحلم الاشتراكي, وفي أميركا العدو الامبريالي الرأسمالي. وبين جميع القراءات والتحليلات يبقى للخوف الإنساني الشخصي المحض مكانه, تجيب الكاتبة والصحفية غالية قباني على سؤالنا: (وقفت طويلاً أمام بياض الصفحة لأجيب على السؤال. غير قادرة على القول أني مع الضربة, يُرافقني خوفي على مزيد من الدمار أو الضحايا المدنيين في سوريا, كنتيجة لتداخل المواقع العسكرية والأمنية مع السكنية. وغير قادرة على القول أنني ضدّها, واعرف أنّ النظام تمادى لأنّ أحداً لم يردّه. كل ما كنّا نحلم به أن تتصدّى دولة عُظمى لروسيا وتلعب سياسة بصورة جيدة. رفع ورقة التهديد العسكري هي أداة للحل السياسي أيضاً. وهذا ما طالبت به المعارضة منذ سنتين, لكن الغرب عموماً لم يكف عن التأكيد على أنّ التدخّل العسكري مُستبعَد, ما أعطى روسيا وإيران والنظام طبعاً فرصة للعب بأرواح ودماء السوريين. ليتهم لعبوا الورقة منذ البداية ليكفّوا أيدي النظام على الأقل, لكنهم لم يفعلوا لأنّ مصالحهم لم تقتضي هذا الحل وقتها, وقدموا مصالحهم على المواقف الإنسانية).

أمّا بعد, فيبقى الإنسان, يبقى المواطن السوري المسحوق في جميع الأحوال بين مطرقة النظام وسندان الضربة الأمريكية, ويبقى آلاف المعتلقين وذويهم, أولئك المعتقلون الذين هم زخم الثورة ووقودها, لا صوت لهم اليوم. البعض يقول, غالبيتهم تواجه مصير الموت في كل يوم إمّا تحت التعذيب الوحشي, أو من الآفات والأمراض المنتشرة والمترافقة مع ما يُشبه سياسة التجويع حتى الموت. والبعض يبقى رهينة أمله وحقه في الحياة, وبأنّه سيخرج إلى النور. فكم نستطيع أن نكون عادلين في حسابات الموت؟ كم نستطيع أن نكون دقيقين ونحن نحاول أن نقيم توازناً بين الموت البطيء والموت بضربة عسكرية, تُميت معتقلينا دون أن تقضي على النظام؟!

source : http://www.hurrriya.com//news/main.aspx?id=issuefiftytwosevenone

date : 02/09/2013