المختبر السوري.. وسباق الاستدارات – محمد برهومة
يبذل الإعلام العربي القريب من « حزب الله » وإيران، جهدا حثيثا في مقارباته التحليلية المتكررة وتغطياته الخبرية اليومية، للتدليل على أنّ دولا وجهات عديدة في المنطقة تقوم بـ »إعادة موضعة » لسياساتها ومواقفها واستراتيجتها على هدي ما يعتبره هذا الإعلام « نجاحات » إيرانية في المنطقة؛ وليس التسوية التمهيدية للملف النووي الإيراني، وتقدم النظام السوري في قمعه شعبه، سوى أعلى قمة هرم هذه النجاحات، في ظنّ هذا الإعلام. في سياق كهذا، ستتكرر على مسامعنا وأمام عيوننا أنباء وتحليلات، تُنسب في العادة لمصادر غير واضحة الهوية، تذهب إلى القول، مثلا، إن الدوحة تُجري اتصالات بمكتب الرئاسة في سورية (وهو ما نفته الخارجية القطرية، مؤكدة أن تواصلها الوحيد مع الممثل الشرعي للشعب السوري المتمثل في « الائتلاف الوطني »)؛ أو أن الدوحة، وفق ذاك الإعلام، تتودد للقاهرة، أو أن أنقرة تقوم باستدارات نفعية نحو طهران لأخذ نصيبها من كعكة الانتعاش التجاري الإيراني في حال تمّ رفع العقوبات الدولية عن إيران، بحسب الإعلام العربي المقرب من « حزب الله » وإيران، الذي لا يملّ من ترديد أنّ إيران و »حزب الله » يقابلان رغبة « حماس » الجامحة في التقارب معهما بمزيد من بطء الاستجابة والبرود، ومدّ اليد بتثاقل وتمنّع.أسابيع قليلة تفصلنا عن مؤتمر « جنيف2 » حول الأوضاع في سورية. ومن الواضح أن الأطراف كافة تسعى جاهدة إلى تحسين موقعها، تمهيداً للمفاوضات المنتظرة بداية العام المقبل. وجزء كبير من الضخ الإعلامي الهجومي الذي يمارسه الإعلام العربي القريب من « حزب الله » وإيران يقع في هذا السياق. الانعطافات والاستدارات وإعادة الموضعة في المنطقة لا تخطئها العين، وهي تجري بالطبع على قدم وساق. والتقارب التركي-الإيراني يتفاعل أكثر فأكثر، واشتباكاته في سورية والعراق وفي الملف الكردي محتدمة، بانتظار أفق سياسي مختلف تتهيأ المنطقة لاستقباله. وقد أقر، قبل أيام، السفير الإيراني في أنقرة بأن طهران تتمتع بعلاقات وطيدة مع أجهزة الاستخبارات التركية، في مؤشر إلى تحسن العلاقات بين البلدين، وذلك بعدما زار وزير الخارجية التركي طهران قبل أسبوع. ومن المقرر أن يزور رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، إيران العام المقبل، بينما سيزور الرئيس الإيراني حسن روحاني، تركيا في كانون الثاني (يناير) المقبل.الجميع يبحث عن مخارج جديدة. والاستدارات وإعادة الموضعة جزء أصيل في هذا البحث باتجاه العثور على مكان ومصالح في إقليم يولد من جديد، على وقع المأساة السورية وموجات الربيع العربي.التقارب التركي-العراقي، والتركي-الإيراني أحد مداخله البعد الطائفي، والنشاط الجهادي، والموضوع الكردي، فضلا عن المنافع الاقتصادية. والواقع يقول إن بغداد وطهران بحاجة كبيرة لأنقرة أيضا، وسيظهر ذلك بشكل أوضح في المرحلة المقبلة التي سنختبر فيها جدية الاستدارات في المشرق والخليج وتركيا، والمسافة الفاصلة بين التكتيكي والاستراتيجي. الأمر الذي يعني أن الإعلام العربي القريب من « حزب الله » وإيران يتجه لتحقيق مكاسب محلية-لبنانية أساسا؛ في مواجهة الفرقاء السياسيين المحليين، من دون التقليل من شأن أن ذلك جزء من منظومة إقليمية أوسع.ما يتأكد يوما بعد يوم هو أن « المختبر السوري » يكاد يعيد تشكيل المنطقة. وضمن هذا المنطق، نستعيد عبارة « سورية غير » وفق فهم آخر مختلف في معادلاته الكيميائية وعناصره ومكوناته ونتائجه.