النظام يتصرف كشبيح، والثورة لن تخمد أو تتراجع – حوار مع ياسين الحاج صالح
كثيرا ما يتم الحديث عن النظام السوري بوصفه حالة متميزة تختلف عن بقية الأنظمة العربية. ما هي هذه الخصوصية التي تميز النظام؟ و كيف تؤثر هذه الخصوصية على مسار الثورة السورية؟
للنظام السوري خصوصية مركبة تجمع، في تقديري، بين « النهج الممانع »، وحاكمية المخابرات، والحكم العائلي. حدس المرحوم حافظ الأسد، مؤسس النظام، أن من شأن الجمع بين سياسة أكثر استقلالية وأقل صدامية حيال الغرب وإسرائيل أن تضمن استقرار نظامه وقبولا دوليا به أكثر مما تضمنه سياسة صدامية أو سياسة أخرى خانعة، هذا فوق ما توفره للنظام من شرعية داخلية ومن فرص لدور إقليمي. فإذا حكمنا بالنتائج، نرى أن هذا الحدس صائب جدا، ومثمر أكثر مما تأتى عن سياسة النظام البعثي السوري قبل 1970، وقد كان صداميا حيال الغرب، أو مما تأتى من سياسة مصر السادات ومبارك، وقد كانا خانعين للغرب، فضلا عن دول الخليج التابعة بدورها. والثمرة الأهم للمزج بين هذه السياسة وسلطة المخابرات في الداخل هي الاحتفاظ بالحكم مدى الحياة، ثم النجاح في تحويل الجمهورية إلى مملكة وراثية. وكان المؤسس عارفا منذ البداية أن المهم في بلد مثل سورية كان شهيرا بانقلاباته العسكرية ليس الوصول إلى الحكم، بل الاحتفاظ به، فكان أن شيد أجهزة أمنية متنوعة، يقوم عليه ذوو ثقته. وقد منحت حصانة مطلقة في التعامل مع عموم السوريين. وهي بالفعل منبع للخوف العميم لا للأمن العام، على ما يوحي اسمها.
خصوصية النظام السورية تتكون من التقاء هذه الركائز الثلاثة: الممانعة، المخابرات، الحكم الوراثي.
وعلى مستوى التعامل مع الانتفاضة تتظاهر هذه الخصوصية في المزج بين القسوة الرهيبة حيال الاحتجاجات السلمية، واللجوء الواسع إلى التخوين، وفي تصلب النظام وامتناعه عن تقديم أية تنازلات سياسية ذات قيمة. يعلم من أمثلة تونس ومصر، وليبيا واليمن، أن ما يعترض عليه السوريون هو الحكم السلالي والحاكمية المخابراتية، وأنه لا يرضون بأقل من طي صفحتهما طيا كاملا. لذلك هو عنيف جدا في مواجهة الانتفاضة، ويمكن أن يتسبب بمزيد من المآسي إلى حين سقوطه المحتوم.
• هنالك تردد من قبل كثير من الأقليات في الانخراط بالثورة خشية نظام جديد يهضم حقوقها، ما هي حظوظ إقامة دولة مدنية في سوريا، بعد سقوط النظام، تحقق مفهوم المواطنة؟
الحساسية العامة للانتفاضة السورية مدنية وعابرة للتمايزات الدينية والمذهبية. وتطلعاتها إلى الحرية والكرامة والوحدة السورية وطنية ومدنية كذلك. وهي تبطل بقدر طيب سياسة التفريق التي لطالما اعتمدها النظام في الداخل السوري. لقد ظهر المجتمع السوري أثناء الانتفاضة أقل تفرقا وتباعدا مما كنا نتوقع نحن الذين كانت المشكلة الطائفية تشغل بالنا كثيرا. وبينما قد يكون من المبالغة القول إن مشاركة السوريين في الانتفاضة متجردة عن أصولهم وأنسابهم، فإن من الضلال التام وصف الانتفاضة بأنها سنية. وفوق أن الانتفاضة لا توفر سببا قويا لأي كان ممن ليسوا معها كي يقفوا ضدها، فإنه منذ بدايتها هناك مشاركات مهمة جدا من بيئات متنوعة الأصول، تجعلها انتفاضة وطنية سورية جامعة. ولا ريب أن من شأن اتساع هذه المشاركات أن يضمن مستقبلا أكثر مدنية لسورية. الانتفاضة تصنع مستقبل سورية، والمشاركة المتنوعة في الانتفاضة هي الضمان في أن تكون سورية ما بعد الانتفاضة أكثر تنوعا ووحدة.
ولا أرى مبررا قويا للانشغال بمخاطر دولة دينية في سورية. هذا مستحيل. وأنا على يقين أن السوريين سيكونون أكثر حرية ومساواة وأخوة، أي مواطنة، بعد طي صفحة النظام الحالي. وإن كنت أرجح أن البلاد ستمر بمرحلة مضطربة لسنوات بعد زال النظام. لكن ستتاح فرصة أكبر لشرائح أوسع من السوريين لإسماع كلمتهم في شأنهم العام وفرض حضورهم ومشاركتهم، والتمرس بالمصاعب والتحديات التي ستواجه بلدهم.
• كيف تقيم أداء المعارضة السورية، وهل هنالك إمكانية لتشكل جبهة تستطيع أن تكون مؤثرة و ناطقة باسم الثورة؟
كان أداء المعارضة التقليدية متفاوتا، لكن أقرب إلى الخمول في جملته، إن على مستوى الدعم السياسي للانتفاضة، أو على مستوى تشكيل « جبهة موحدة وناطقة باسم الثورة » كما يقول السؤال. جذر المشكلة سياسي. ليس كل المعارضين حاسمون في موقفهم إلى جانب الانتفاضة. بعضهم يراها قوة ضغط على النظام، ربما تثقل وزنهم وتتيح لهم فرصا سياسية أفضل. وبعضهم مستعجل إلى إعادة الحياة لتشكيلات معارضة قديمة في سياق نهوض جماهيري لا فضل لها فيه. وقلة من يقفون إلى جانب هدف الانتفاضة الأكبر: إسقاط النظام.
ويبدو لي أن فرصة تشكيل جبهة سياسية موحدة داعمة للانتفاضة قد فاتت. المهم اليوم هو عدم تقديم مبادرات للنظام، والدعم السياسي والفكري، والمادي بقدر المستطاع، للانتفاضة.
وعلى كل حال، وبصرف النظر عن تفاوتات المعارضة التقليدية، أقدر أن الانتفاضة تدشن حياة سياسية جديدة في سورية، لن تستطيع تلك المعارضة العيش فيه. يمكن القول إن الانتفاضة بداية نهاية المعارضة التقليدية بقدر ما هي إعلان لنهاية النظام.
حوار رامي الخليفة
المصدر:http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=267094