بداية التغيير – برهان غليون
خاص لسوريا حرية
بالرغم من الأيام الصعبة التي تعيشها انتفاضة الكرامة والحرية السورية، لا يمكن للمحلل أن يتجاهل أن موازين القوى السياسية قد تغيرت بشكل كبير عما كانت عليه قبل شهرين. وليس كسر حاجز الخوف هو الوحيد الذي يتصدر هذه المكاسب ولكن، أكثر من ذلك، تاكيد وجود الشعب نفسه من خلال حركة الاحتجاج، بوصفه فاعلا سياسيا، ودخول مئات ألوف وربما ملايين السوريين الذين كانوا قد استقالوا من السياسة واستسلموا للأمر الواقع إلى المعترك السياسي، وانخراطهم في نشاطات معارضة شتى لا تقتصر على المشاركة في المسيرات. فالناس المتعاطفون مع حركة الاحتجاج أكثر بكثير من المساهمين فيها، وهم لا يكفون عن إعلان تأييدهم وتمسكهم بمشروع التغيير وإحلال نظام ديمقراطي محل نظام احتكار السلطة السابق. بل ربما امكن القول إن فكرة حتمية التحول نحو نظام ديمقراطي قد ولدت في حركة الاحتجاج هذه ولم يكن هناك كثير من السوريين يعتقدون أن ذلك ممكنا او متصورا في الامد القريب. اليوم يعرف السوريون جميعا، بما فيهم فئات واسعة داخل دائرة مؤيدي النظام، حقيقة النظام السياسي الذي يعيشون في ظله ومخاطره على حياة الأفراد ووحدة البلاد واستقرارها. وقد خبروا تفكير قادته والدرجة المتدنية لإدراكهم لمضمون مسؤولياتهم، وحرصهم على حياة مواطنيهم ومصالحهم، من خلال الرصاص الحي الذي لا تزال القوى التابعة للنظام تطلقه على السكان العزل والأبرياء منذ شهرين كاملين، وكل يوم من دون توقف. هكذا بعد القطيعة مع الخوف نشهد اليوم قطيعة متزايدة لمختلف فئات الشعب والرأي العام مع النظام، وتقيؤه من قبل قسم كبير من أنصاره ومؤيديه السابقين.
كان النظام قبل شهرين يحظى بألف بالمئة من السلطة، ويحتكر القرار المطلق في كل الشؤون المدنية والسياسية، من حق التعبير عن الرأي إلى حق التنظيم إلى حق السير في مسيرات والتظاهر ورواية الاحداث والتاريخ عبر الإعلام. واليوم فقد النظام على الأقل نصف هذه السلطة، وفرض الشعب مشاركته، رغم الاستخدام المكثف للعنف، في الكلام والتعبير والتنظيم والتظاهر والإعلام ورواية الأحداث. بل فرض على الرأي العام العالمي نفسه التطلع بإعجاب لملحمة الحرية التي يكتبها الشعب السوري بدماء أبنائه البررة. ولن يمكن للنظام الذي اضطر إلى يفقد نصف وزنه حتى الآن، وأصبح يسير على قدم واحدة، هي الآلة القمعية، أن يستمر طويلا في مواجهة المصير المحتوم. ولن تكف كفة المعارضة الشعبية عن النمو على حساب كفة النظام الذي يخسر كل يوم فئات جديدة من أنصاره السابقين بسبب ما يستخدمه من وسائل لا قانونية ولا شرعية ولا أخلاقية في مواجهة حركة الاحتجاج الشعبية السلمية والتي اعترف هو نفسه في البداية بطابع مطالبها الشرعي قبل أن ينقض عليها باسم مكافحة الارهاب وقطع الطريق على إقامة الإمارات الاسلامية التي هي من صنع خياله وأجهزته الضعيفة وغير المهنية.
ليست حركة الاحتجاج الشعبية هي التي تواجه اليوم أزمة إذن، وإنما من يواجه الأزمة ويدخل في الحيط هو النظام. فقد دفعته معركته الخاسرة ضد شعبه إلى أن يتجرد من جميع أقنتعه السياسية والقانونية والأخلاقية، وأن يلبس لبوس ميليشيات القرون الوسطى ويحارب بسيوفها العارية إلا من البحث عن الربح والغنيمة. وبمقدار ما طلق السياسة وامتشق سلاح العنف، فقد أي أمل في أن يستعيد مكانته كنظام سياسي. ومن غير الممكن أن يربح ثقة شعبه بممارسة المزيد من القتل والكذب والخداع. لذلك لن يطول الوقت قبل أن يكتشف النظام أن الحل الأمني غير قادر على حسم المعركة، وأنه لا مهرب له من الانفتاح والجلوس مع ممثلي الاحتجاج على طاولة المفاوضات. وحينئذ لن يكون من الممكن الاستمرار في القتل وحصار المدن وتجويع السكان. ولن تكون الأطراف الدولية محايدة في دعم قضية التغيير والاصلاح.
من هنا إن الرد على تصعيد النظام للعنف لا يكون أولا إلا بمواصلة مسيرات الاحتجاج حتى يفقد النظام ايمانه بإمكانية القضاء على الاحتجاج بالعنف، مع ضرورة إعادة تنظيمها لتجنب أكثر ما يمكن من الخسائر في الأرواح، وثانيا بالعمل على تطمين قطاعات الرأي العام السوري التي لا تزال خائفة من الانخراط في المسيرات الشعبية، بالرغم من ايمانها بضرورة التغيير، ورفضها لسياسات النظام الراهنة واستراتيجياته الامنية اللاإنسانية. ولن يمكن تحقيق هذين الهدفين من دون سد الثغرة التي لا تزال تشجع النظام على الابتزاز بالعنف والاستفادة من سلاح الإرهاب، وتثير القلق عند قطاعات الرأي العام السوري الواسعة، ولا تساهم في طمأنة الرأي العام الدولي على مستقبل الاستقرار والسلام الأهلي في سورية. وهذه الثغرة ليست شيئا آخر سوى غياب هيئة سياسية قوية تعكس مطالب الحركة الاحتجاجية وتبلورها وتتمتع بما ينبغي من الصدقية لدى الشعب ولدى الراي العام الدولي. وهذا ما يستدعي العمل على لم شمل المعارضة السورية، من حركات احتجاجية شبابية ومستقلين وأعضاء في أحزاب، في إطار مبادرة واحدة تعبر عن وحدة الشعب ووحدة المطالب الديمقراطية معا.
فغياب الغطاء السياسي لحركة الاحتجاج يزيد من تغول السلطة ويشجعها على المضي في القتل أملا بإخماد روح المقاومة قبل أن يتكون لها رأس سياسي ومرجعية تتماسك من خلالها. كما أن الرأي العام الدولي يتردد في الضغط على النظام أكثر طالما لم يجد هناك مسؤولين سياسيين واضحين وراء حركة الاحتجاج يخاف من انتقاداتهم أو يؤمن بأن هناك محاورا سياسيا ذي صدقية وتمثيلية يمكن له أن يقف سياسيا في مواجهة النظام.
بتحقيق ذلك لن يبقى أمام النظام خيارا آخر سوى أن يلقي سلاح العنف، ويقبل بفتح مفاوضات جدية لن تكون ممكنة إلا إذا كان هدفها الواضح منذ البداية الخروج من صيغة النظام القائمة على الاحتكار والفساد وبطش الأجهزة الأمنية، والانتقال نحو نظام ديمقراطي تعددي يضمن لجميع أبناء سورية حقوقهم ويؤمنهم على حرياتهم ومستقبل أبنائهم. ولن يكون الحوار عندئذ على اجندة السلطة الرامية إلى تعزيز النظام القائم، وإنما سيتمحور حول الاتفاق على آليات الانتقال ورزنامته وعلى القرارات والاصلاحات المؤدية لذلك.
Source : SouriaHouria
Date : 10/ 5/2011