بقاء الأسد.. « زوال سورية »! -محمد أبو رمان
بقاء الأسد.. « زوال سورية »! -محمد أبو رمان
هزائم متتالية في معارك مهمة، وخسائر فادحة يتكبّدها الجيش السوري في الآونة الأخيرة، ومعه حليفه حزب الله اللبناني. فعلى ما يبدو أنّ قدرات الجيش السوري بدأت بالضمور المتسارع، وإمكانية الصمود في مختلف الجبهات الساخنة الحالية لم تعد ممكنة، وفق ما تشير إليه المعطيات الأخيرة في ريف دمشق ودير الزور وإدلب.
هذه التطورات المتسارعة دفعت بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى المسارعة لإنقاذ حليفه بشار الأسد، عبر دعمٍ عسكري مكثّف، وأنباء عن بناء قاعدة دعم للعمليات العسكرية، وفق المعلومات الأميركية، ما يمثّل « منعرجاً حادّاً » في الصراع الدائر هناك.
لكن الرسالة السياسية الأكثر أهمية في هذا المجال، هي أنّ الروس لن يسمحوا بسقوط نظام الأسد، حتى لو ترتب على ذلك حرب طويلة الأمدّ، وتقسيم فعلي لسورية إلى دويلات وإقطاعيات طائفية وعرقية ودينية!
وراء هذه التطورات، سواء الانهيارات في وضع جيش الأسد أم الدور العسكري الروسي الجديد، تغطس حقيقة بدت واضحة جليّة خلال الأيام الماضية، تتمثل في تراجع الطموحات والآمال في حلّ سياسي دبلوماسي، بعد جولات ومحادثات علنية وسرية وصلت إلى درجة غير مسبوقة من التطور، عبر زيارة علي مملوك، المدير السابق للمخابرات السورية، إلى الرياض. فيما يبدو اليوم أنّ ضباب الدبلوماسية الدولية تجاه سورية ينقشع بلا نتيجة، ليخلي الساحة للتطورات العسكرية الميدانية!
بذلك، ومع الانهيار المفاجئ في الجهود الدبلوماسية والمبادرات السياسية الدولية والإقليمية، فإنّ التطورات الميدانية على أرض الواقع ستجعل من فرص الحل السياسي لاحقاً محدودة، بالرغم من أنّ طيفاً معتبراً من المعارضة السورية (جيش الإسلام وفصائل أخرى مدعومة من المحور العربي) أصدر بياناً يؤكد فيه قبوله بمخرجات « جنيف1 » وبالحل الدولي، مع التأكيد على عدم وجود أي « دور » للأسد في مستقبل سورية. وهو الأمر الذي يتناقض تماماً مع التصريحات الدالّة الأخيرة لبوتين، ومفادها أنّ جيش الأسد هو الوحيد القادر على مواجهة « الإرهاب »، أي التمسّك بالرئيس السوري وجيشه، والمضي قدماً إلى الأمام في المعركة العسكرية!
الطريف في الأمر في ظل رهن مستقبل سورية وشعبها ووحدتها وبقائها بمصير الأسد في المباحثات الدولية والأميركية، من خلال السؤال الكبير: فيما إذا كان للأسد دور أم لا في مستقبل سورية، هو أنّ رئيس شعبة الأبحاث في الاستخبارات الإسرائيلية، بن مئير، يرى (في قراءة استراتيجية بمناسبة السنة العبرية، وفق ما نقلته صحيفة « الأخبار » البيروتية) أنّ إسرائيل لم تعدّ معنية بالسؤال عن « ما بعد الأسد »، الذي كان يشغل الغرب والعرب والقادة هناك. والسبب ليس لأنّ الأسد صامد وباقٍ، كما أراد أن يوحي عنوان « الأخبار »، أو النتيجة الغريبة التي توصّل إليها الزميل عبدالباري عطوان (رئيس تحرير موقع « الرأي اليوم »)، بل -ووفقاً لسياق التقرير نفسه- لأنّ سورية نفسها لم تعد موجودة اليوم على الخريطة!
المهللون اليوم للدور الروسي العسكري في سورية يتجاهلون أنّ الحسم العسكري لم يعد ممكناً، وأنّ الحل السياسي ابتعد، وأن بقاء الأسد لا يعني أكثر من أنّه أضحى جزءاً من لعبة النفوذ الدولي والإقليمي والصراع بين الحلفاء والأعداء (أميركا وروسيا) والتنافس بين الحلفاء أنفسهم (الروس والإيرانيون)!
وبالرغم من أنّ هناك انتقادات كبيرة لضعف إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما أمام الدور الروسي في سورية، إلاّ أنّ سياسيين معارضين روس يخشون من أنّ بوتين سيجد نفسه في نهاية المطاف يكرّر سيناريو أفغانستان، الذي بدأ بوصفه تدخلاً محدوداً، لكنّه انتهى إلى ورطة كبيرة. ومن الواضح أنّ الورطة السورية تتسع وتتمدد لتأخذ أبعاداً كبيرة، إقليمياً وعالمياً!