بمناسبة زيارة الوفد «الشعبي» الأردني لدمشق – عريب الرنتاوي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 13 août 2011

كم يشتهر النظام السوري، الآن او في الماضي، بقدرته على «شراء ذمم» كتاب وسياسيين وناشطين عرباً أو أجانب، كما درجت العادة في دول النفط الثرية …لقد صدر هذا النظام في تصرفاته عن «عَوَزٍ» ممزوج بكثير من «البخل» و»الشطارة»، شطارة التاجر الشامي…لم تكن لديه من «البترودولارات» ما يكفي لسد حاجاته وتلبية نهم «متنفذيه» وإشباع شَرَه بعض أركانه…ولم يتوان بعض أعمدته عن «مدّ أيديهم» إلى جيوب حلفائهم، بدل مدّها لهم بالأعطيات والمكارم والشيكات وحقائب «الكاش» وغير ذلك مما هو معمول به في أنظمة «الاحتواء الناعم»….»ذروة سنام كرم» النظام على هذا الصعيد، لم يتعدّ تخصيص مقاعد جامعية توزع على بعض الأحزاب والشخصيات «الصديقة» التي تقوم بدورها ببيعها إلى الطلبة في دولها ومجتمعاتها، وتحصّل جراء ذلك مبالغ نقدية متفاوتة، وهي في مطلق الأحوال، متواضعة قياساً بما تدفعه انظمة نفطية

النظام في سوريا اعتمد طريقين لكسب التأييد وتجنيد الحلفاء والأصدقاء والمنافحين…فهو من جهة نجح في «إرهاب» خصومه ومناوئيه، واستغل حاجتهم لملاذات آمنة، ومنافي تأويهم، وتمكّن من إجبارهم على الدوران في فلكه، خصوصاً من أبناء الدول المجاورة، التي نظر إليها النظام، كحديقة خلفية لنفوذه ومصالحه…وهو من جهة ثانية، استثمر بكل الكفاءة مواقفه «الممانعة» في إقناع كثيرين، بالتطوع للدفاع عنه «مجّاناً» وبلا مقابل، حتى وهو يضرب «المقاومة» في 1976 وما بعدها، أو وهو يضرب شعبه في حماة 1981-1982، أو الآن…وربما لهذا السبب بالذات لم نقرأ عن «قوائم سوداء» مشتملة على أسماء «المتنفعين» و»المتكسبين» على موائد النظام

مناسبة هذه المقدمة، ما ينشر في المواقع وعلى صفحات «الفيسبوك» من اتهامات للوفد «الشعبي» الأردني الذي زار دمشق «للتضامن مع النظام ضد المؤامرة»..هؤلاء يوصفون عادة بأنهم «شبيحة النظام السوري» في عمان، وتوصف مواقفهم بالمخزية والمخجلة والمنافقة والمعيبة، إلى غير ما هنالك مما يقال ولا يقال في وصف حال هؤلاء

والحقيقة أنني أربأ بشخصيات وطنية أردنية، وبعضها نعرف «صدق نواياه» و»إخلاصه» لقضايا وطنه وشعبه وأمته، عن الوقوع في هذا «المطب» المُخجل والمُعيب، ولا أريد أن أزيد على كل ما سبق ذكره من نعوت وأوصاف…وكنت أتمنى لو أن هؤلاء «عدّوا» للعشرة قبل أن يشدّوا الرحال إلى مهرجانات «البيعة والولاء» التي تنظمها العاصمة السورية، سيما في هذه اللحظات، التي تبلغ فيها الأزمة السورية، منعطفاً حاسماً، وتراق فيها الدماء غزيرة في شوارع حمص وحماة ودير الزور وريف دمشق وغيرها من مدن سوريا وقراها وبلداتها

الحقيقة أنني مؤمن تمام الإيمان، بأن الهجرة شمالاً والحجيج إلى العاصمة السورية في هذه الأوقات بالذات، يفقدان القائمين عليهما والمشاركين فيهما، من «نشطاء الإصلاح» في الأردن، أحزاباً وأفراد، كل صدقية يحتاجونها في النضال في سبيل الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي في بلادنا…وتجعل هؤلاء عبئاً على الحركة الإصلاحية الأردنية، لا ذخراً لها، وتحيل خطابهم السياسي إلى ضرب من المزايدات الرخيصة، التي لا تنتعش إلا في ساحات عمان، وترتد إلى نقيضها، عندما يتصل الأمر بانتفاضة الشعب السوري وتوقه الشرعي والمشروع، للحرية والكرامة

قلة قليلة من هؤلاء قد تكون في عداد «القائمة السوداء» للمنتفعين من النظام السوري…لكن الكثرة الكاثرة منهم، إنما صدرت عن «اختلال» عميق في الرؤية…لقد أخذت بخطاب «المقاومة» و»الممانعة»…لقد نظرت إلى نصف الكأس الفارغ…لقد تبنت رواية النظام لما جرى ويجري…لقد أعمتها «الرطانة» القومية والمقاومة عن رؤية الصورة الأكبر

يقولون إن سوريا تتعرض لمؤامرة تفتيت وتقسيم، وهذا لا ينكره عاقل، لكن السؤال الذي لا يجيب عليه هؤلاء، يتصل دائما بمسؤولية السلطة في سوريا عن تمرير هذا المؤامرة وإنفاذها…مسؤوليتها عن بعث الانقسام الطائفي والمذهبي…مسؤوليتها عن تدمير المجتمع المدني والنقابات المستقلة والأحزاب السياسية في البلاد…مسؤولية عن إعادة سوريا إلى عصر الطوائف والمذاهب والعشائر

يقولون أن سوريا تتعرض لمؤامرة هدفها ثنيها عن مواقفها «المقاومة» و»الممانعة»، من دون أن يكلفوا أنفسهم عناء السؤال: وهل تبرر «المقاومة» أو «الممانعة» قمع الشعب والتنكيل بأبناء سوريا وبناتها…ألا تزدهر «المقاومة» و»الممانعة» إن استعاد الشعب حقوقه وحرياته وكرامته…لماذا الافتراض بأن سوريا ستنتقل إلى الخندق الآخر إن استجاب النظام لنداءات شعبه بالحرية والإصلاح والديمقراطية…لماذا الافتراض بأن النظام الجديد في سوريا، سيكون أقل «ممانعة» و»مقاومة» من النظام القائم ؟

لن ندخل هنا في جدل حول «مقاومة» النظام و»ممانعته»، فثمة من يسخر بكل هذه الطروحات، ويحيلنا إلى هدوء جبهة الجولان وصمتها المريب لأربعة عقود خلت…لكننا نقول إن «المقاومة» و»الممانعة»، لطالما استخدمتا غطاء لضرب المقاومة الفلسطينية والممانعة اللبنانية ألا تذكرون اجتياح 1976 وانشقاق 1983 وحصار طرابلس وحروب المخيمات 1985-1987، ولطالما استخدمتا كقنابل دخانية في الطريق إلى «حفر الباطن 1990-1991»…ولطالما وضعتا على مائدة التفاوض في سوق النخاسة المحلية وبازار المقايضة الإقليمية وغرف المقاصّة الدولية

وحتى بفرض أن مواقف النظام السوري جاءت مغايرة لمواقف « أمريكا وحلفائها» طوال السنوات العشر الفائتة، وهي جاءت مغايرة قولاً وفعلاً، لا ننكر ذلك ولا نرغب في تجاهله، لكن السؤال الأهم يبقى مع ذلك، هل يبرر ذلك قتل الشعب السوري تحت هذه الحجة وبهذه الذريعة، هل يبرر هذا «التمايز» في المواقف، انحيازنا لآلة القمع والبطش والإرهاب الرسمية…بئست المقاومة إن كان ثمنها تدمير البلاد…وبئست الممانعة التي تبقي بساطير العسكر فوق رقاب العباد….وبئس الإصلاح حين يغرق الإصلاحيون بمعاييرهم المزدوجة، فيصطفون في خندقه هنا، وفي الخندق المضاد له هناك

مركز القدس للدراسات الشرقية – ١١/٨/٢٠١١
http://alqudscenter.org/arabic/pages.php?local_details=2&id1=4503&local_type=129&hid=1