بوصلة الثورة السورية – مانيا الخطيب
عندما خطت أنامل أطفال درعا تلك الجمل التي أشعلت أوار ثورة طال انتظارها.
قام أهالي حوران بعدها، وقامت من بعدهم كل سورية لمسح عار الإهانة، والذل، الذي تجرعه السوريون طويلاً ..
من أحد أسباب تأخر ثورة الشعب السوري، التي كان من الممكن أن تنطلق في التسعينيات، هو خوف شعبها على النسيج السكاني الكثيف والملون والفسيفسائي لسورية، لأن في وجدان كل سوري يقين أن المجرم حافظ الأسد أسس آلة دمار عجيبة، تضع أولى أولوياتها هذا الجزء الأثير على قلب الجميع .. ولهذا عض الشعب على جرحه طويلاً …. وصمت .. وها هو الآن يدفع ثمناً كارثياً لصمته الطويل.
ومن معرفتي بالاحترام الفائق الذي يكنه الإنسان السوري للتنوع السكاني لبلده، لم يساورني أدنى شك أن أهل درعا وأهل السويداء سيقطعون دابر الفتنة التي بذلت آلة الإجرام كل جهد لاشعالها، لأن أهالي درعا كما قلت عندما بدؤوا ثورتهم كان شغلهم وهدفهم منذ البداية موجهاً نحو بشار الأسد وعصابته، وليس لهم شغل لا من قريب ولا من بعيد -إلا التعاون الإيجابي- مع جيرانهم على مدى عقود من أهل السويداء
وأكبر دليل على الهوية الوحيدة لعدو جميع الأهالي هو ما حدث مؤخراً في قرية سلطان باشا الأطرش من ترويع شبيه بما يحدث في كل الأرض السورية..
المدينة التي منذ أكثر من ثلاثين عاماً وهي تئن، مدينة حماة، حيث هناك، وتحديداً هناك، لو كان للسوريين أن يقتتلوا داخلياً، أو أهلياً، لكانوا فعلوها تماماً وتحديداً هناك … وإذا هم لم يفعلوها، لم يقاربوها، في حماة وضواحيها، فهي إذا في سورية كلها لا يمكن أن تحدث..
اليوم .. وبعد مرور كل هذه الأعوام القاسية -تشكل حمص، بوصلة مهمة، هي تماماً في القلب … ترسم مع كل التشكيلات السورية الفريدة، من لجان التنسيق المحلية بخطابها شديد الرقي، وعملها الأكثر أهمية، إلى اللافتات وصياغاتها العميقة، إلى الفنانين الذين لا أحد يعرف أسماءهم،، وإلى من عرفنا أسماءهم ، وآخرهم الشهيد الذي أشعل قلوب السوريين، المخرج السينمائي باسل شحاذة، والذي من بعده، أستغرب أن يحمل أي سوري في العالم صورة غيفارا … فعندنا بعد اليوم قصة عاشق وطن، سيظل يلهم السوريين جيلاً بعد جيل….إلى الكثير من المخزون الإنساني الهائل الأتجاه الإجباري نحو فجر الحرية القريب
استقبل السوريون بعد مأساة العراق في 2003 ما يقارب المليون عراقي، يقول من صادفته منهم أنه قضى أجمل أيام حياته بين السوريين.
وفي 2006 استقبل السوريون كعادتهم منذ قديم الزمان مئات الآلاف من اللبنانيين، الذي منذ عقود يدفعون أثماناً باهظة لتحالفات عصابات خارجة عن القانون، من سفاح النظام السوري المجرم مع نظيره الإيراني والذي فرخ جنيناً مشوهاً على أرض لبنان. إلى كل ما يخدم « إسرائيل » في ذلك
إذا كان هذا هو الشعب السوري، هل يعقل – اليوم- أن ينجح أحد في تشويه سمعته، هل ينجح أحدهم بكل المحاولات الخبيثة التي نعرفها جميعاً التي تبذل منذ أول لحظة في محاولات فاشلة لحرف الثورة عن مسارها وتشويهها؟ هل يتجاوب أحد ما مع هذه الجهود الشريرة؟ هل إذا كانت عصابة الحكم عندنا في سورية تستعمل أوساخ الطائفية التي ذبحت فيها لبنان من الوريد إلى الوريد يمكن لأحد أن تستقطبه؟ الجواب الأكيد هو أنه، مستحيل كلنا يعلم أن محرقةً كهذه لشد ما تبهج « إسرائيل » ،وتجعلها تراقب بفرح وارتياح . كما راقبت طويلاً الخدمات الإجرامية التي قدمها الأسد وحلفاؤه على أرض لبنان.
في المقابل، وبعد مجزرة الحولة الفظيعة التي هزت ضمير الإنسانية بشكل غير مسبوق، وبعد الجنون المستعر لآلة القتل المروعة التي تحصد الأرواح السورية البريئة، وبعد الخطاب الذي ألقاه السفاح المجرم الذي يعد بمزيد من الجرائم المروعة، ويوجه خطاباً هابطاً على مقاسه، لا يمكن إلا أن تصادفنا حالات ألم هستيرية لا بد أن تصيب السوريين المفجوعين وهم يواجهون كل هذا الحقد الرهيب، وأن تكون هناك حالات قليلة، تنسى نهائياً أن هذه ثورة وطنية نقية، قامت من أجل الكرامة والحرية.
فتسمع مثلاً أن هناك من أزال في بعض الخيم الاعتصامية التضامنية في خارج سورية صور مجسم الساعة الحمصي، وصور المظاهرات، ورسوم علي فرزت وغيرها … مما ميز حضارية الثورة، ووضع بدلاً منها علم السعودية ورفع شعار « إبادة الشيعة » … هذه المظاهر تخدم عصابة الحكم في سورية وتطرب لها أنها نجحت أن تشكل بسلوكها الانبطاحي مع إيران، وربيبها اللبناني حزب الله، هذه الانحرافات الخطيرة التي لا تمت بصلة لا من قريب ولا من بعيد لا إلى الحرية ولا إلى الكرامة ولا إلى الثورة. هل إذا كانوا هم يستعملون أساليب طائفية قذرة – ليس حباً بأحد ولكن لإبادة الجميع من أجل البقاء – يجد من بين الشعب السوري اللطيف الذي لم يعر إلى هذه الأشياء من قبل أذناً من يتجاوب معها؟
ألا يدفع « الشيعة » أنفسهم ثمناً باهظاً لسلوك النظامين الإيراني والسوري وحزب الله الإجرامي؟ ثم ألم يعاني الشيعة والعلوية الويلات من أنظمة الحكم هذه؟ هناك من أجرى إحصائية عن عدد ساعات الإعتقال، وعن الفقر ونصيب كل إنسان سوري منهما ليجد أن الطائفة العلوية حازت على النسبة الأكبر.
للإجابة سأشبه سورية بجسدها الجريح اليوم، بمن يقوم بعمل جراحي دقيق وصعب، لاستئصال دمّل متقيح معفن (هو مافيا الحكم) ، ولا بد أن مثل هذه الجراحة المؤلمة التي سببت كل هذا النزف، من أن تؤدي إلى وذمات، وأورام، وربما التهابات، ولأن شعبها المخلص الحريص على الشفاء هو من يقوم بهذه الجراحة الصعبة، فلا بد أن يبذل كل جهده في سبيل الوصول إلى التعافي التام والمحتوم.
مانيا الخطيب –
هلسنكي – 2.6.2012
مقال مهدى إلى مجلة الثورة في الزبداني – أوكسجين