تجارب من النشاط السياسي للشباب قبل الثورة وأثناءها – عاصم حمشو
عاصم حمشو – تجارب من النشاط السياسي للشباب قبل الثورة وأثناءها
PARIS 24/5/2015 : حوارات سوريا حرّيّة – ملامح من تجربة الجيل الشاب بالعمل السياسي في سوري
مع بداية الألفية الثانية وانتقال الحكم في سوريا من الأسد الأب إلى الابن، شهدت الساحة السورية حراكاً سياسياً وفكرياً واجتماعياً امتد لفترة زمنية قصيرة وهي الفترة التي تلت خطاب القسم لبشار الأسد بعد توليه منصب رئاسة الجمهورية
والذي أطلق من خلاله مجموعة من الوعود الإصلاحية، للتغطية على عملية التوريث الفجة يومها
خلال هذه المرحلة انتشرت المنتديات الثقافية والاجتماعية والسياسية في غالبية المدن السورية وكان للشباب دور فاعل في تنشيطها، معتبرينها بوابتهم للانخراط في الشأن العام والعمل السياسي الممنوع عليهم لعقود مضت
خلال تلك المدة والتي لا تتجاوز الأشهر ظهرت عدة منتديات سياسية واجتماعية ومنظمات تعنى بالشأن الحقوقي، وجماعات عمل من أجل تفعيل دور المجتمع المدني، حقق مؤسسوها والمنتظمون بها تواصلاً وحضوراً فيما بينهم ومع فئات واسعة من الشارع السوري وفي المقابل كسبوا سوء السمعة عند أجهزة المخابرات السورية
ومن الملاحظ خلال هذه الفترة أن المنتديات والمجموعات المتشكلة اشتغلت على الشؤون ذات الصلة ببرنامجها أو مناطق تواجدها: فبينما ركز منتدى الأتاسي على قضايا الديمقراطية بالتحديد مستغلاً تواجده في العاصمة دمشق، ناقشت منتدى جلادت بدرخان في القامشلي مسألة الحقوق الكردية
هذه الأشهر القصيرة من الانفتاح كانت ما اصطلح على تسميته « ربيع دمشق » والذي سيزج بغالبية من كانوا رواده في السجون لاحقاً
إذ بدأ النظام هجومه على هذا الحراك وفعالياته في شباط / 2001 عندما بدأت قيادات حزب البعث في المحافظات والجامعات بحملة احتجاج على منتديات الحوار وانتقادها الحكومة، وفي 17شباط 2001 خاطب نائب الرئيس السابق عبد الحليم خدام هيئة التدريس والإدارة والمسؤولين في حزب البعث في جامعة دمشق قائلاً إن غاية منتديات الحوار والبيانات العامة « لم تكن الحرية ولا الديمقراطية » وأنه « لا يحق لأي مواطن أن يهاجم أساسات المجتمع » والفرد تنتهي حريته حيث يبدأ أمن واستقرار المجتمع » وأن المنتديات كانت تنوي » أن تحول اهتمام سوريا عن الصراع العربي الإسرائيلي
اتبعت الحكومة بعد هذه التصريحات فرض شروط على كل منتدى منها: • تصريح من الأمن قبل 15 يوما من عقد الاجتماع • نسخة عن المحاضرة واسم المحاضر • قائمة بأسماء المشاركين • مكان الاجتماع واسم المضيف
ثم ما لبثت أن ضاقت ذرعاً بهذا النشاط فأغلقت المنتديات وزجت غالبية أعضاء إدارتها في السجون. إلا أن هذه المرحلة امتازت بحضور مميز للجيل الشاب في الحراك ومساهمة متعددة الأوجه في تفعليه، وسأذكر هنا بعض النشاطات السياسية التي كان للشباب دور فيها
منتدى الأتاسي: والذي حظي باهتمام أكبر من شريحة الشباب، خاصةً أنه كان موجود في العاصمة حيث العدد الأكبر من الشباب وطلاب الجامعات، إلا أنه وفي اليوم الأخير الذي كانت تقرأ فيه بيانات لأعضاء المنتدى قام المعارض علي العبدالله بقراءة بيان للمراقب العام لجماعة الأخوان المسلمين في سوريا صدر الدين البيانوني كعضو في المنتدى وليس كممثل عن الاخوان، بعدها استدعى الأمن السوري رئيسة المنتدى سهير الاتاسي وعضو المنتدى حازم نهار، واعتقل العبدالله بعدها ليوصل الأمن السوري رسالة للجميع مفادها أن الاخوان المسلمين خط أحمر
حركة « ناشطو مناهضة العولمة في سوريا » : تأسست في سياق تشكّل حركات مناهضة العولمة في كل أنحاء العالم، ونشأت بطابع اجتماعي، ثقافي . حيث مارست نشاطات ذات طابع موجه ضد السياسات الغربية عموماً وبالتحديد الاقتصادية منها: (كالحرب على العراق، ومنتدى دافوس ، منظمة التجارة العالمية، ومجموعة الدول الثماني الكبرى ، وسياسات صندوق النقد والبنك الدوليين). وفي سوريا تم من خلال الحركة توحيد نشاطات الأفراد المتقاربين فكريا . ولكن دون بنية تنظيمية على أساس سياسي . بهذا بقي التوصيف غير محدد بين النشاط والطابع السياسي أو الاجتماعي الثقافي إضافة للاهتمام الاقتصادي
ويحسب للحركة استقطاب طيف واسع من الشباب ذوي التوجهات العلمانية واليسارية عموماً الراغبين في الانخراط أكثر بالشأن العام، في الفترة المزامنة للحرب الأمريكية على العراق، رغم أن اهتمامات الحركة عموماً لم تكن مركزة في الشأن السياسي السوري فقط إنما في مواجهة السياسات الأمريكية والغربية بشكل عام
تجمع شمس : تجمع شبابي ديمقراطي ، ضم مجموعة من الشباب السوريين أصحاب الاهتمامات المشتركة في الشأن السياسي السوري وفي قضايا الحريات والتغيير السياسي عموماً
اعتقل كافة أفراد التجمع، وبدأت الإعتقالات بشكل متفرق (حسام ملحم وماهر إسبر في أواخر 2005)، مروراً بعلام فخور وطارق الغوراني وعلي العلي وأيهم صقر في شباط 2006 إنتهاء بدياب سرية وعمر العبد الله في آذار 2006
حكم على كل من طارق الغوراني وماهر اسبر بالسجن سبع سنوات، وبخمس سنوات لكل من الباقين. تبين لاحقاً أن التهمة كانت مدونة الدومري السوري وكتابات أخرى كتبها حسام ملحم ودياب سرية وعمر العبد الله على منتدى أخوية الإلكتروني
بعدها قام منتدى أخوية الإلكتروني بحملة للمدونين المعتقلين، إذ ثبت كتاباتهم على الصفحة الرئيسية، واعتبرهم معتقلي المنتدى، ضمن حملة شعارها “الحرية لشباب الأخوية الأسرى”
لم ترق حملة أخوية للنظام فحجب الموقع الذي يرتاده أكثر من خمس وسبعين ألف شخص وأكثر من خمسين ألف عضو مسجّل، وراقب الموقع وأغرقه بالمخبرين للدفاع عن النظام وأهله، لكنه فشل أمام إصرار المدونين على الإنتصار لقضية زملائهم، فقرر إعتقال المشرف على “المنبر الحر” في منتدى أخوية وهي الزاوية الأكثر شعبية في المنتدى، المدون كريم عربجي (Karimbow)
اعتقل عربجي من قبل المخابرات العسكرية (فرع فلسطين)، وبعد ثمانية أشهر من التعذيب والحبس الإنفرادي في فرع فلسطين نقل إلى سجن صيدنايا العسكري، ثم حكم بالسجن لثلاث سنوات بتهمة “إضعاف الشعور القومي في زمن الحرب »
تجمع شباب داريا: كان لمجموعة شباب في هذه المدينة اهتمامات في شؤون الثقافة والعمل السياسي، وبدؤوا بتنشيط عملهم مع بداية الحرب الأمريكية على العراق، ومن الجو السائد آن ذاك اتفق مجموعة من شباب داريا ومنهم الناشط المعتقل اليوم يحيى شربجي على القيام بحملة لمقاطعة البضائع الأمريكة ومحاربة الرشوة والفساد في سوريا، مترافقة مع حملة لتنظيف الشوارع في المدينة كنوع من الاحتجاج على تقاعس عمل البلديات ونوع من أعمال المجتمع المدني لتنشيط العمل الجماعي بين الناس، إلا أن هذا العمل لم يرق للسلطات الأمنية فاعتقلت مجموعة شباب داريا بتاريخ 3-5-2003 وحكم عليهم بأربع سنوات في سجن صيدنايا
الحراك الطلابي: تحرك عدد من الطلاب واعتصموا يوم 25/2/2004في مبنى كلية الهندسة في مدينة حلب احتجاجا على المرسوم رقم 6 ، الذي أنهى التزام الدولة بتوظيف خريجي كليات الهندسة، حيث قامت أجهزة النظام بقمع الاحتجاج واستخدام الطلاب البعثيين في تفريق المعتصمين بالضرب ومواجهتهم بشعارات تمييزية حزبية منها: « هذه جامعة البعثيين »، وفصل عدد منهم، وعندما سعى هؤلاء الطلاب إلى خلق حالة تضامن طلابية، بعد أن فشلوا في تأمين دعم اتحاد طلبة سورية، المنظمة الوحيدة ذات الصلة بشؤون الطلاب، في مواجهة سلبيات المرسوم رقم 6 أو قرارات الفصل الجائرة، اجتمعوا يوم السبت( 24/4/2004) مع أصدقاء لهم من جامعة دمشق في كافيتيريا ملحقة بالمدينة الجامعية في دمشق يتداولون في قضية فصل طلاب من جامعة حلب، وعلى خلفية الاعتصام المذكور قامت أجهزة النظام بمداهمة مكان الاجتماع واعتقالهم (اعتقلت 11 طالبا أطلق سراح 9 منهم بعد 12 يوما وأحالت الطالبين مهند الدبس (جامعة دمشق) ومحمد عرب ( جامعة حلب) إلى محكمة أمن الدولة العليا التي حكمت عليهما بالسجن لمدة 3 سنوات بعد أن حاكمتهما بتهمة مناهضة أهداف الثورة
نلاحظ خلال هذه الفترة الممتدة من ربيع دمشق وحتى بدايات الثورة السورية، أن الشباب السوريين عموماً والمهتمين منهم بالشأن العام والسياسي حاولوا التمويه على نشاطهم السياسي المناهض للنظام من خلال تغطيته بالشعارات والأمور المطلبية، وتمرير السياسة داخل هذه المطالب، إلا أن النظام السوري لم يستطع أن يتقبل مثل هذا النوع من النشاط، وتخبرنا مصائر التجمعات والأفراد الذين نشطوا خلال هذه الفترة عن طبيعة وبنية النظام السوري وكيفية تعامله مع مثل هكذا تحركات مطلبية أو سياسية فكل هذه التجمعات غير موجودة اليوم، بينما كثر من الشباب الذين انخرطوا بها وبعملها توزعوا بين مهجر ومعتقل وشهيد
:بداية الثورة السورية
مع انطلاق الثورة في سوريا آذار 2011، ستعود كثير من الأسماء الشابة والتي كانت فاعلة خلال السنوات السابقة إلى الواجهة، والمدقق بأسماء من قيادات العمل السياسي من الشباب سيرى أن المجموعة التي كانت تنشط في الفترة السابقة للثورة إبان مرحلة المنتديات والحراك الطلابي وربيع دمشق، عادت مع الثورة لتتصدى للشأن العام بشكل فاعل ومؤثر، فكانت في البداية فكرة التنسيقيات لتخدم الحراك السياسي والتظاهرات، وتتصدى لواقع الحصار الأمني وتقطيع أوصال المدن والبلدات الذي فرضه النظام. وخلال هذه المرحلة وما بعدها وضمن واقع الحرب التي فرضها النظام واشتداد عمليات القصف والاعتقال والتهجير استمرت محاولات الشباب لتأسيس مشاريع سياسية موازية للتنسيقيات خاصة بعد تراجع فاعلية هذه الأخيرة، وبالفعل استطاعوا أن يؤسسوا تجمعات كان الشباب عمادها الأساسي منها على سبيل المثال: مشروع حركة سوريون، وتجمع نبض للمجتمع المدني ، وحركة الشارع، وحركة الشباب السوري الثائر
إلا أن هذه التجمعات ذات الطابع العلماني والمدني عموماً بقيت ذات نشاط محصور ومحدد في أماكن تواجد ناشطيها، نظراً للواقع الذي فرضته الحرب، كذلك نتيجة القمع الشديد الذي تعرضت له فعلى سبيل المثال ستة من أصل سبعة معتقلين من حركة الشباب السوري الثائر قتلوا تحت التعذيب حتى اليوم
نظرة عامة إلى وقائع وأحداث الثورة في سوريا يمكن من خلالها التأكيد أن الجيل الشاب دفع الفاتورة الأعلى من حيث حالات الاعتقال والقتل والاختطاف والتغييب القسري، ورغم انخراط قطاعات واسعة في عملية التغيير إلا أن طول أمد الحرب وانسداد آفاق السياسة وخسارة أعداد من الكوادر الشابة في المعتقلات والمنافي وتحت التعذيب والقصف تحيلنا كل هذه الوقائع إلى التفكير أكثر بالمصائر والمشاريع المستقبلية ومكانية تطويرها لدعم هذه الفئة وتجديد دماء السياسة والانخراط في التغيير المزلزل الذي يضرب المنطقة