تساؤلات مشروعة.. بين يدي علماء مؤتمر القاهرة -.أحمد جميل عزم
قال شافي العجمي، أمين سر رابطة علماء الشريعة بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، عشية انعقاد مؤتمر علماء الأمة الإسلامية لنصرة الشعب السوري، الخميس الماضي في القاهرة: إنّ « هذا مؤتمر أفعال لا مؤتمر أقوال ». وقال: « ليست مؤتمرات العلماء كما مؤتمرات جامعة الدول العربية، وليست كمؤتمرات الحكام العرب ». وأضاف: « أعلنا منذ أيام عن البدء بتجهيز 12 ألف مقاتل » للذهاب إلى سورية.
في المؤتمر ذاته، أعلن عضو المؤتمر، المصري صفوت حجازي أن « رابطة علماء الأمة سترسل لواءً إلى سورية، للقتال في وجه بشار الأسد ونصرة شعب سورية ». وزعم « أن رابطة علماء المسلمين ترسل السلاح إلى سورية منذ عام ».
رد على حجازي مشاركون في المؤتمر؛ فأعضاء في المعارضة السورية في المؤتمر أكدوا عدم حدوث ما قاله حجازي. ووصف « عالم » آخر ما قاله حجازي بأنّه « مبالغة ».
والأسئلة الأولى أمام « العلماء » المؤتمرين: هل يعنون ويعون ما يقولون؟ بمعنى، لماذا ينكر بعضهم ما يقوله البعض الآخر؟ من نصدّق؟ ثم، هل هم مقتنعون بمنطق العجمي أنّهم قادرون على اتخاذ قرار وتنفيذه وفرضه على الحكّام؟
لم يكن لديهم دور في تفجير الأحداث في سورية؛ فهل أصبح لهم دور؟ ما هي علاقتهم بالجماعات الموجودة هناك؛ فالقوى المناوئة للنظام في سورية إمّا ثوّار غير منتمين للتيار الإسلامي، أو سلفيون جهاديون قريبون من فكر تنظيم « القاعدة »، أو إخوان مسلمون، فمن مع هؤلاء يستطيع العلماء أن يكونوا على تواصل لتحريكهم أو دعمهم؟ وما هو موقف الحكومات؟ هل سنشهد مليشيات العلماء قريبا؟! أم أنّ الأمر مجرد خطاب تعبوي؟
إذا سلمنا جدلا أنّ العلماء لديهم الطاقة والصلاحية التنفيذية لإرسال المدد والعدد والعتاد، فهل يستطيع حجازي والعجمي ومعهم السلفي محمد حسان، والشيخ يوسف القرضاوي، تقبّل اقتراح أن يعلنوا صراحة مهمات هؤلاء الجنود بعد سورية؟ مثلا، هل يمكن تخصيص 12 ألفا آخرين لفلسطين، أو تقديم وعد أن يتجه هؤلاء، بضمانة حجازي والعجمي، إلى فلسطين لاحقاً؟ وأن يأتي يوم يسحب فيه الإخوان المسلمون المصريون سفير بلادهم من تل أبيب؟ أم أنّ المقصود هو قيام العلماء بدور تعبوي قاموا به سابقا في أفغانستان؛ عندما شجعوا الشباب بإشراف أجهزة استخبارات عربية وعالمية، على الذهاب للقتال في أفغانستان، ودور شبيه بدور علماء الجزيرة العربية–دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، في حرب الخليج 1990/1991، في دعم منطق الحكومات هناك.
هناك، إذن، سؤال الاستطاعة والدقة والصلاحيات العسكرية والمادية للعلماء.
من ناحية ثانية، يبرر العلماء هبّتهم بعد عامين من المذابح -وبعد أن تجاوز بالفعل ما حدث في سورية من مآس ما حدث في فلسطين- بمنع « نصرة النصيريين »، ومنع « إقامة دولتهم »، وحماية للمسلمين من « الروافض »؛ والسؤال ليس إن كانت هذه الطريقة الوحيدة لعلاج ما يحدث هناك، وليس إن كان لا يوجد خطاب بديل عدا هذه المواجهة الطائفية؛ فالعجمي نفسه يجيب بأن « ما تفوه به بعض العلماء بأن ما يجري فتنة، هو زلة كبيرة ونكسة في وجه التاريخ والعلم.. هي صرير باب وطنين ذباب ». لكن السؤال: كيف سيتم علاج أمر من يسمونهم بالنصيريين والروافض، هل سيكونون أقلية مثل أهل الذمة في الدولة الإسلامية التي يريدونها؟ أم أن الدولة الإسلامية غير مطروحة؟ هل سيجبرون على تغيير مذاهبهم؟ ما الذي سيجري تماما في النهاية؟
يرتبط بهذا السؤال سؤال آخر، هو: لماذا الهبّات الموسمية وبالقطعة؟ لماذا لا يوجد تصور شامل لعلاج الشأن الإسلامي الذي يعلن العلماء أهليتهم لمناقشته والتقرير بشأنه حدّ تسيير المجاهدين والمسلّحين؟
فمثلا، في حرب الخليج مطلع التسعينيات، كان الحديث من قبل العلماء أنفسهم عن ضرورة تأسيس قوة تتولى حل خلافات وقضايا العالم الإسلامي، ولم يتابع أحدٌ ذلك. نعم، عدم حل قضية فلسطين لا يبرر التواني أمام قضايا أخرى، ولكن الانتفاض لقضية دون أخرى أمر مستغرب. ما هو الدور الذي يعتقدون أنّه يجب، ويستطيعون، أن يقوموا به؟ وما علاقتهم بالأنظمة ومواقفها وسقوفها المسموحة؟ وماذا عن الأسئلة الكبرى الأخرى؟