حول المقاطعة الشعبية لروسيا والصين … والدنمارك! – خالد الحروب

Article  •  Publié sur Souria Houria le 22 janvier 2013

يقول بعض الاخبار إن الصين قررت التبرع لصالح الإغاثة الانسانية لمنكوبي الحرب في سورية بمبلغ خمسين الف دولار! هذه الدولة العملاقة التي تنافس الولايات المتحدة وأوروبا واليابان في قوة اقتصادها والسيولة النقدية التي تمتلكها، وتبيع سنويا في اسواق الخليج العربي وحده ما يزيد على مائة وثلاثين مليار دولار (بحسب الكاتب عبد الرحمن الراشد في جريدة « الشرق الأوسط ») تتبرع بمبلغ تافه ربما يخجل رجل اعمال ان يتبرع به لمأساة بمثل المأساة السورية. الصين التي تقف مع روسيا في قفص الاتهام وراء استمرار حمام الدم في سورية لا تخجل من موقفها، بل توجه صفعة للمجتمع الدولي برمته بإلقاء هذا التبرع في وجه الجميع وكأنها تقول حتى الإغاثة الانسانية للشعب السوري لا تهمني. ما يهمني هو الاسواق العربية وزيادة حجم المبيعات الصينية حيث تصل في المنطقة العربية. كأنها، ومعها روسيا، تقول اعرف هناك غضبا شعبيا على موقفي إزاء سورية، لكن هذا الغضب الشعبي لا معنى له لأنه لا يترجم إلى فعل، بل يبقى « ظاهرة صوتية » لا تقدم ولا تؤخر.
التقدير الصيني « المُتخيل » إزاء عجز الموقف الشعبي العربي والاسلامي عن ترجمة ذاته الى فعل مؤثر يبدو صحيحا مع الأسف. هناك شبه ألغاز وحيرة ينتهيان بشبه إحباط عندما يتأمل المرء تناقض الفعل العربي الشعبي الشارعي إزاء المواقف المختلفة. لماذا مثلا تُترجم المشاعر الشعبية الى فعل كاسح في الشارع ردا على رسومات كاريكاتورية يرسمها صحافي دنماركي اهوج، ويتفاقم رد الفعل ذاك الى التنديد بالدنمارك كبلد وحكومة رغم ان الاثنين تبرآ من « فعلة » الرسام. ولماذا تطورت فجأة حملة « مقاطعة الدنمارك » وبضائعها وكل ما يمت لها بصلة، وهي واحدة من الدول التي لم يعرف عنها اي عداء ضد العرب والمسلمين بل فتحت ابوابها لاستقبال مهاجريهم ومضطهديهم، ويهرب إليها لبنانيون وعراقيون وفلسطينيون وغيرهم ويعيشون فيها بكرامة واحترام. امتدت حملة « مقاطعة الدنمارك » عدة سنوات وتأثرت بها شركات دنماركية عديدة واحرقت سفارات ومصالح لهذا البلد وادخلت حكومته في حالة من الطوارئ والتوتر الدائم للتعامل مع الخسارات المتتالية والمفاجئة التي تتعرض لها في بلاد العرب والمسلمين. النتيجة الاهم لتلك الحملة كانت في زيادة مستويات العنصرية في الدنمارك ضد المهاجرين المسلوبين من كل شيء والذين كانوا قد وجدوا في الدنمارك ملاذا آمنا. ليس ذلك فحسب بل قدمت « الحملة » الهوجاء ضد الدنمارك والتي سقط نتيجتها عدة قتلى وعشرات الجرحى في اكثر من مكان دليلا لجماعات اليمين الاوروبي المتطرف في اكثر من بلد كي تبرر سياساتها ومواقفها المعادية للوجود العربي والمسلم في الغرب. باختصار « ابدعت » آنذاك الجماعات الاسلاموية والشعبوية في تحريك الشارع بإتجاه تدمير الذات وفي خلق معركة من لا شيء، وانتهت الى لا شيء قريبا من هدفها، بل حققت اهدافها معاكسة تماما.
يُستدعى المثل الدنماركي هذه الايام لمقارنته بغياب اي حملات شعبية لمقاطعة روسيا والصين بسبب الموقف لنظام دمشق في قمعه للشعب السوري وثورته منذ اليوم الاول من انطلاق الاحتجاجات السلمية من عامين وحتى الآن. لماذا يثور الشارع العربي والاسلامي إزاء قضية مفتعلة وهامشية هنا، ويتجمد إزاء قضية حقيقية يموت فيها ابرياء بالمئات كل يوم، وما هو السر الملغز الذي يقف خلف هذا التناقض الكبير والمدمر؟ كيف يمكن ان تتصرف بكين بكل صلافة ووقاحة وتلقي فتاتا بقيمة خمسين الف دولار على الابرياء الذين نكبهم نظام الاسد، ثم تحصد في هذا العام مائة وثلاثين مليار دولار من الاسواق الخليجية وربما مثلها من الاسواق العربية الاخرى؟ اين هي حملة مقاطعة البضائع الصينية والروسية، واين هو ذلك الشارع الذي يعلن جاهزيته للتلاعب به من قبل اي رسام ارعن، او مخرج افلام من الدرجة العاشرة ينتج تفاهة مثل فيلم « براءة المسلمين »، او كاتب مغمور يكتب قصيدة او مقالا لا يستحق القراءة؟ واين هي الحملات المؤثرة ضد موقف روسيا إزاء المجزرة الدموية التي يحدثها ذلك النظام ضد الابرياء في سورية، وهي التي تدعم النظام الاسدي بكل تبجح ومن دون أي خجل تقول ان ذهاب الاسد مستحيل، ثم تأتي لتقول ان ذهابه او بقاءه هو قرار الشعب السوري. بأية وسيلة يمكن سماع رأي الشعب السوري بعد ان حاول ذلك على مدار سنتين دمويتين اولاهما كانت بالطرق السلمية وفي ثانيتهما جر جرا لاستخدام السلاح.
تستهل موسكو وبكين اتخاذ ابشع المواقف السياسية إزاء سورية من دون اي حسابات لأي خسارات محتملة. سواء على المستوى العربي الرسمي المتردد والجبان عن اتخاذا اي خطوات حقيقية للوقوف مع الشعب ضد آلة الموت التي يتعرض لها يوميا، ام على المستوى الشعبي اللامبالي او عديم الفاعلية، فإن البلدين يتصرفان بحرية ويقين بعدم وجود اي رد فعل يمكن ان يحسب له حساب. لا يعنينا هنا التوقف مطولا عند الحكومات العربية والموقف الرسمي فذاك يحتاج الى مقاربة اخرى ومطولة. لكن هذه السطور هدفها التركيز على الموقف الشعبي الكسول والذي يجب ان يتحرك. حملات التبرعات التي تقوم بها منظمات خيرية كثيرة لصالح منكوبي الشعب السوري مهمة ومشكورة، لكنها غير كافية وقاصرة. والتبرع بالشيء اليسير مشكور ايضا لكنه لا يقدم سوى إراحة الضمير للمتبرع او الجمعية القائمة على التبرعات، كما انه يوفر للحكومات العاجزة الادعاء بأنها تفتح ابواب الدعم والمؤازرة للشعب السوري. الحملات المطلوبة اليوم هي تلك التي تؤثر في المسار العام للاحداث، وفي توجه البلدان وسياستها الخارجية، وخاصة السياسة الروسية والصينية. من العيب علينا ان تعلن روسيا جهارا نهارا أن مجزرة الشعب السوري سوف تستمر الى ما لا نهاية لأنها لن تسمح بإسقاط بشار الاسد، وان تعلن الصين انها لا تهتم إلا بجيوب العرب واسواقهم بينما تساند نظاما دمويا كما الاسدي، ثم لا تُنظم حملات شعبية واسعة لمقاطعة البلدين وما ينتجان وما يسوقان في بلادنا طولا وعرضا.

http://www.al-ayyam.com/article.aspx?did=208154&Date=