رسائل روسية للجميع؟ – منار الرشواني
تتفق روسيا وإيران حتماً على ضرورة إبقاء بشار الأسد في منصب « الرئيس السوري ». لكن الطرفين يعرفان تماماً أن مصير بشار الأسد لم يعد سوى تفصيل صغير جداً في الصراع بسورية؛ إذ لم يعد دوره اليوم يتجاوز -أساساً- كونه واجهة لتبرير تدخلهما العسكري هناك. يضاف إلى ذلك اختصارهما « النصر » في الصراع السوري باستمرار وجود الأسد؛ فبعد أن صار لدى الأغلبية، في سورية وخارجها، رمزاً للقتل والتدمير، تحول النصر الروسي الإيراني بشكل رئيس، بالتالي، إلى محض إبقائه بمسمى « رئيس ».
وإزاء حقيقة ضآلة دور الأسد يمكن، بناء على التطورات العسكرية الأخيرة على الأرض في سورية، استنتاج « فرضية » تدني حجم الالتقاء الروسي-الإيراني هناك بشأن الأهداف الكبرى والنهائية التي يُفترض أن تتضمنها التسوية السياسية للصراع. مع ضرورة التنبيه إلى أن ذلك لا يعني أن مثل هذا التدني متبلور بشكل نهائي وراسخ الآن، بل الأقرب للمنطق أنه ورقة تلوح بها موسكو للفاعلين الدوليين والإقليميين الآخرين، لقاء الحصول على « صفقة مناسبة » بشأن سورية خصوصاً، ولربما أبعد منها.
إذ لم يعد سراً منذ أمد طويل نسبياً أن روسيا لم تسحب الجزء الأكبر من ضباطها وجنودها وعتادها العسكري في سورية، إن لم يكن العكس، بخلاف إعلان الرئيس فلاديمير بوتين في آذار (مارس) الماضي. تشهد على ذلك خصوصاً مجازر حلب بطائرات روسية قبل أسابيع قليلة. كما أن من المعروف تماماً أن روسيا لم تقرر التدخل في سورية إلا بعد فشل إيراني تام هناك؛ بل وبحسب إعلام إيران-حزب الله، فإن طهران تعهدت بدفع تكاليف هذا التدخل. رغم ذلك، بدت روسيا غير مكترثة، هذا إن لم تكن راغبة في إلحاق خسائر فادحة بمليشيات إيران متعددة الجنسيات في ريف حلب الجنوبي قبل فترة وجيزة، بعدم توفير الغطاء الجوي المناسب بحسب تسريبات على لسان مسؤولي إيران وحزب الله الغاضبين نتيجة ذلك. هذا بالإضافة إلى ما قيل عن انزعاج إيران من فرض موسكو بشكل متفرد هدناً على قواتها ومليشياتها في سورية.
وتسمح هاتان الحقيقتان باستنتاج وجود رسالة روسية إلى إيران ابتداء وخصوصاً، بشأن من يملك الكلمة النهائية في سورية؛ إن بشأن العمليات العسكرية أو بشأن تفاصيل التسوية السياسية.
هذه الرسالة لطهران، متضافرة مع التطورات العسكرية الأخيرة في ريف اللاذقية أيضاً، بمعاودة تقدم فصائل المعارضة على حساب مليشيات الأسد وإيران، تبدو مرشحة لأن تكون في الوقت ذاته رسالة روسية للفاعلين الآخرين في الصراع في سورية، بأن موسكو وحدها، وليس إيران (ناهيك عن الأسد فاقد السيطرة على القرار في سورية)، هي من يغير موازين القوى على الأرض؛ وبالتالي هي من يجب الحديث إليها والتفاوض معها. وذلك من دون إغفال إمكانية سعي موسكو إلى إيصال رسالة لواشنطن أيضاً، بأن المصلحة تقتضي التعاون بينهما للقضاء على « جبهة النصرة »، وأن موسكو لن تحارب « النصرة » وحدها، وبالوكالة عن واشنطن. وتؤكد تقارير إعلامية عدة أن هذا الأمر الأخير هو فعلاً محور التفاوض الحالي الأميركي-الروسي للتعاون العسكري في سورية.
إزاء كل ذلك، مضافاً إليه الاعتذار التركي لروسيا والشروع بإعادة تطبيع العلاقات بينهما، هل يبدو ممكناً التفاؤل بتسوية سياسية للصراع؟ بعد أكثر من خمس سنوات، يبدو الشيء الوحيد المستحيل في سورية هو التفاؤل؛ طالما أن إيران (وبالتالي الأسد) تصر أن كل ساع للحرية والكرامة في سورية هو إرهابي!