رسالة إلى سميرة الخليل – محمد علي الأتاسي
النسخة: الورقية – دولي الأربعاء، ٩ ديسمبر/ كانون الأول ٢٠١٥
عامان مضيا على جريمة اختطافكم في مدينة دوما، أنت ورزان زيتونة ووائل حمادة وناظم حمادي. عامان، لا خبر ولا تسريبات ولا رسائل تأتي من طرفكم. عامان تغيرت فيهما سورية وتغيرت الثوره وتغير العالم، وبقينا نحن، أهلك وأصدقاؤك وصديقاتك، نربي الأمل على عتبات بوابة الانتظار الطويل والثقيل
عندما خرجت، قبل ثلاثة أعوام تقريباً، من دمشق الى الغوطة الشرقية للانضمام إلى زوجك الكاتب ياسين الحاج صالح، لم يكن قرار خروجكما هرباً من بطش النظام. فبطشه وجرائمه ظلت تلاحقكما من السماء بالطائرات والبراميل، لكنه كان قراراً واعياً يقرن القول بالفعل وينشد الخروج من فقاعة النظام الدمشقية نحو مشاركة الناس العاديين خارج أسوار المدينة حياتهم ومعاناتهم وجوعهم وصمودهم
في دوما عشت بين الناس ومعهم، ساعدت النساء والعوائل المحتاجة، ونقلت للعالم الخارجي من خلال كتاباتك وجعهم ومعاناتهم. وحاولت عبثاً مع بعض الفصائل المسلحة أن تنالي حق زيارة سجن دوما للنساء حيث قضيت أربع سنين من عمرك معتقلة سياسية في سجون الأسد الأب
في دوما والغوطة الشرقية،عشت وتنقلت تحت قصف الطائرات والمدافع وشاهدت بأم عينك كيف أتت البراميل والقنابل الفراغية على أحياء بأكملها، وعايشت ما تفعله سياسة الحصار والتجويع ومحاربة الناس بلقمة خبزها اليومية. كنت دائماً مذهولة ومصدومة في حضرة هذه الجريمة الكبرى ضد الإنسانية، كيف يعيش أناس آخرون على بعد كيلومترات قليلة منها حياتَهم الاعتيادية بكل هدوء وطمأنينة
في دوما فهمت وتفهمت كيف ولماذا رفع بعضهم السلاح في وجه النظام دفاعاً عن عوائلهم وأعراضهم وأرواحهم، وفي دوما عاينت كيف أعمت سطوة السلاح البعض الآخر
في دوما، وعلى رغم قعقعة الأسلحة وهدير الطائرات وتساقط البراميل المتفجرة، فضلت عوضاً عن البندقية أن تحملي المكنسة وتنزلي بصحبة رزان وياسين وبقية الشباب، لتنظيف شوارع المدينة وإعادة تأهيلها
اتهمكم البعض بمحاربة طواحين الهواء كحال دون كيشوت، وخالكم البعض الآخر طوباويين كثوار الكتب والروايات التاريخية، لكنكم كنتم تمارسون مقاومتكم ومواطنيتكم على الأرض في مواجهة آلة القتل والدمار، عُزلاً إلا من قناعاتكم وإيمانكم بسورية الجديدة والمختلفة
في دوما، على رغم المضايقات والضغوط، رفضت أنت ورزان زيتونة ارتداء الحجاب في الأماكن العامة. لم يكن فعلكن هذا تحدياً للقيم والأعراف السائدة في تلك المنطقة، لكنه كان تثبيتاً لحقكما كسوريتين في ارتداء ما يوافق قناعتكما وتأكيداً على حق التنوع والاختلاف من داخل الثورة ومن أجل الثورة
في دوما لم تكوني الامرأة السورية الوحيدة، التي تنتمي ولادة ونشأة الى الطائفة العلوية، لكنك كنت بالتأكيد المواطنة السورية الرائدة التي أرادت، عن سابق وعي وتصميم وإصرار، أن تنتمي من داخل الثورة وقبل أي انتماء آخر، إلى مواطنيتها وسوريتها وإنسانيتها
في دوما، من أجل كل هذا وبسبب كل هذا، تم اختطافكم وتغييبكم عن أهلكم وبلدكم وثورتكم
في دوما اليوم يا سميرة، تمتلئ السجون بالثوار الأحرار، وتساق النساء السوريات في الشوارع رهائن في أقفاص، لا لذنب سوى أنهن من الأقليات. في دوما اليوم، يعلنها زهران علوش مدوية أن الديموقراطية تحت أقدامه، ويسارع لإقامة الهدنات مع قوات النظام
في دوما اليوم، يستمر النظام برمي براميله المتفجرة على المدنيين الأبرياء، مستعيناً بالطيران الروسي وبصواريخه القاتلة. وفي دوما اليوم لا يزال في انتظارك الكثيرون من الأصدقاء والصديقات، يعملون بصمت وإصرار من أجل ألاّ تبتلع طواحين الهواء والكلام الفارغ قيم الحرية والعدالة والكرامة التي قامت عليها الثورة السورية
أما ياسين يا سميرة، فهو كما عهدته، يستمد قوته من دأبه على مقارعة الانتظار وإصراره على بذل المستحيل لتعودي لنا سالمة معافاة. يحتال على غيابك بالكتابة والعمل الدؤوب وتربية الأمل. لا يجافي الحياة، ويسامر من حوله من اصدقاء. يفرح حيناً وتباغته دموعه في أحيان كثيرة
لن أحدثك اليوم عن سورية الجديدة والمنتظرة، الحاضرة الغائبة، كحضور غيابكم. سورية المختطفة والمقصاة، كاختطافكم وإقصائكم. ولن أحدثك عن سورية الحالية، التي تتسابق أمم ودول ما يسمى العالم المتحضر لتقصفها بالطائرات والصواريخ، بحجة محاربة «الدولة الإسلامية» والتطرف الإسلامي، فيما يقبع بشار الأسد هانئاً في قصره يتحضر لدخول جولة مفاوضات جديدة تتيح له كسب مزيد من الوقت ورمي مزيد من البراميل على من تبقى من ابناء الشعب السوري داخل البلد
عزيزتي سميرة، مهما طال الغياب نحن في انتظارك وفي انتظار رزان زيتونه وفراس الحاج صالح، وفي انتظار الأب باولو ويحيى الشربجي وآلاف المغيبين والمخطوفين والمعتقلين
أنت تعرفين ونحن نعرف والعالم من حولنا يعرف: هذه الثورة منتصرة ولو انهزمت
* كاتب وسينمائي سوري