رياض الصالح الحسين نشيد سوريا الساحر – رنا زيد
في النهاية مات الصالح الحسين دون رصاصة في صدره أو خنجر في ظهره، لكنه كان يموت مرة كلما تكلم عن ميت، ومات بكل الطرق المتخيلة منه
.العرب رنا زيد – نُشر في 23/11/2015
من المؤسف حقا، أن كل محاولات استذكار الشاعر السوري الراحل رياض الصالح الحسين (1928 – 1954)، هي محاولات لربط سيرة الآخرين بسيرته الشخصية؛ لنجد أن الضوء النهائي لشعرية الصالح الحسين، يُسرَّق، في حين لم تطبع أيٌّ من دواوينه ورقيا، بعد ثلاثة وثلاثين عاما على غيابه، سوى في مرة واحدة يتيمة. أما النسخ الإلكترونية من كتبه على الإنترنت فهي متاحة، في مقابل كتب مطبوعة له بين أيدي أصدقائه مهترئة وشبه تالفة. وما من مشروع جدي، أيضا، يسعى إلى ترجمة قصائده، في زمن أصبحت فيه سوريا الحديث العالمي الملح بعد ثورتها في العام 2011، وفي مجمل الدعم المادي لمشاريع ثقافية عدة وترجمتها، الدعم الذي انهمر على الأدب السوري، كأنه خلاصة ثورة الشارع والناطق باسمها. يغيب صوتان من هذه الترجمات المتسارعة، صوت الصالح الحسين وصوت الشاعرة السورية الراحلة دعد حداد (1937 – 1991)، هما صوتان لم يتنكرا لما همسا به من حكمة فائضة. في حين أُتحفنا من الشاعرين أدونيس ونزيه أبو عفش، بهذا التناقض المؤلم والجارح لمشاعر السوريين
إنها غرفة الصالح الحسين الصغيرة الضيقة، تشهد على كل ما جرى وعلى الأصدقاء من حوله، فمن يحب منهم لا يدع له فرصة للموت، ومن يكره لا يدع له فرصة للحياة، وكمحصلة للحقيقة والمفترض، قلّةٌ هم من أحبوا رياض، لأنه غادر في 21 نوفمبر على غفلة من الجميع، جرّاء خطأ طبّي في مشفى “المواساة” بدمشق، بعد أن راقب العالم المترهّل من نافذة صغيرة
ما فعله الصالح الحسين كشاعر، أنه عاش حقيقة صمته البيولوجي وقهره المكاني، ثم ذهب إلى شخصانيته كإنسان كاتبا إياها بكل تفاصيلها، بعد أن حفظ كذبة العالم عن ظهر قلب، فكتب قصيدته دون تحفظ أو حذر، إذ لم يكن يخشى من أن تُوجه إليه أسئلة بقدر ما امتلك السؤال، إذ كتب في ثمانية وعشرين عاما، ما يمكن أن يسمّى دستورا شعريا للعدالة الأخلاقية، التي من الممكن أن يصوّرها تباعا، شاعرٌ في قصيدة. محتارا من “أنا” جماعية تذهب إلى الحروب والمصانع والمراعي، بالشغف نفسه، وتبتكر باليدين ذاتيهما: (الرصاص والخبز، السجون والحرية، السجائر وأقلام الرصاص، السكاكين والورق والأغاني، الألعاب والقيود والمبيدات الحشرية)
في النهاية، مات الصالح الحسين دون رصاصة في صدره أو خنجر في ظهره، لكنه كان يموت مرة كلما تكلم عن ميت، ومات بكل الطرق المتخيلة منه، وبما تنبّأت به المرأة الطائشة حول زمنه المنكسر، المحمل في التوابيت وبطاقات التعزية، ولأن أحدا لم يقرّر أن يوثق تفاصيل حياة الصالح الحسين، فمن العبث ملاحقة سيرة الشاعر إلا من خلال قصائده، فقصيدته هي النافذة الوحيدة الصريحة، والمطلة على عالم مراوغ، عالم صنع من يومياته وهما، يقود إلى أن كل ما حوله كان قاتلا، ومريبا
ويقال إن أخا من إخوة الشاعر، كان يعمل مع الأمن، في لحظة اعتقل بشكل غامض. هل كان الأخ هو جلاده؟ كما ظهر في سوريا اليوم جلادون إخوة، وجلادون قتلة، وجلادون يعتبرون أن سوريا هي وطنهم وحدهم. ليس مهما أن يتوضح هذا الأمر، بل المهم أن النتيجة الحتمية التي وصلت إليها حياة الشاعر، أشبهت فعلا متقصدا من الآخرين لقتله. لكنْ ها هو النصل الحاد في قصته، وهاهي قصيدته، يؤلم كل منهما ويحرض كلاهما المخيلة، كما هي يوميات الثورة السورية، وكما هو فقر السوريين المخفي تحت جثثهم، إن الشاعر السوري هو رفيق الثورة السورية، وهو نشيدها الساحر، نشيدها الوطني البليغ والمرهف، يقول في قصيدته سوريا “نحن أبناؤك الطيِّبون/ الذين أكلنا خبزك وزيتونك وسياطك/ أبدا سنقودك إلى الينابيع/ أبدا سنجفِّف دمك بأصابعنا الخضراء”
كاتبة وشاعرة من فلسطين مقيمة في باريس
source : http://www.alarab.co.uk/?id=66912