سأهديكِ مظاهرة… فلا تحزني – خولة دنيا
… منذ أيام كنت متوترة بعد ما حدث في إحدى المظاهرات، والاعتقالات التي حصلت ومشاركة الأهالي في الإمساك بالشباب المتظاهرين.
من أطرف ما وصلني يومها.. رسالة تحمل هدية: « عملية للجيش السوري الحر ضد أحد الحواجز في حمص »
وقتها ابتسمت غصباً عنّي، ولكن بعدها فكرت هل فعلاً نحن بحاجة لهذه الهدايا كي نخفف من توترنا، وخوفنا من الفشل؟
البارحة في إحدى مدن ريف دمشق، تم توزيع مناشير تقول : نحن نمهل النظام وأجهزته وقتاً محدداً للخروج من المدينة، وإلا سيتم توزيع السلاح على الأهالي للدفاع عن أنفسهم
نقاشات تتلو نقاشات حول عسكرة الثورة، بين مؤيد ومعارض.. وهل هذا سيحرف مسار الثورة أم سيؤدي إلى القضاء عليها
وكيف يمكن أن نحافظ على وتيرة التعاطف مع ثورتنا من قبل دول العالم وشعوبه؟
يظن البعض منا أن وسيلة الحفاظ على هذا التعاطف هي من خلال الحفاظ على السلمية، ونبذ أي عنف مهما كان وبأي حجم كان على اعتبار أن هذا العنف قد يقضي على الثورة والتعاطف
أصبحت أخبار العمليات العسكرية المضادة اعتيادية للأسف، وكأننا نتناقلها على العشاء، أو كأس الشاي ونحن نشاهد التلفزيون
وأصبح من السهولة كذلك نقاش أبعادها، وإمكانياتها، وموقفنا منها
فماهو موقفنا إن استمرت هذا العمليات وزادت؟.. وهل نتخلى عن الثورة على اعتبار أنها حادت عن الطريق المرسوم لها؟
أظن الكثير منا يعيش هذا التناقض، وكأننا جميعاً عاهدنا أنفسنا أن نكون المسيح، ونتوقع من الآخرين كذلك أن يديروا الخد تلو الخد لتلقي الصفعات دون أن يتأثروا.. وليس هذا فقط بل أن يصعدوا إلى صلبانهم بكل سلمية ومودة
من مآسي البشر وفضائلهم كذلك أنهم ليسوا المسيح وليسوا أنبياء، وأن الأنبياء بيننا قلة قليلة
فعلى مدار عقود طويلة، كنا خلالها مسيح العصر، استمرينا في إدارة خدودنا، ذات يمين وذات شمال، تلقينا كل الصفعات الممكنة، ونحن راضون وساكتون، أو « ممتعضون » وساكتون. وإلا ماذا نسمي هذا الصمت المطبق طوال الخمسين سنة الماضية من عمر الاستبداد والديكتاتورية؟ ألم يتحمل الشعب السوري كل ما يمكنه تحمله من إذلال، وقمع واستبداد، ونهب وسلب وهو ساكت لا يرفع رأسه….؟
والأنكى من هذا: ألم يستغل الجلاد صمتنا هذا لمزيد من القمع والنهب والتمييز والطغيان؟
واليوم نطالب بمزيد من السكوت على القمع السافر واللامحتمل
نُطالب بالصمت على قتلنا واغتصابنا ونهب بيوتنا، وهتك أعراضنا، واعتقال أولادنا.. وقتل أطفالنا.. وكل ما لا يحتمله عقلنا نحن البشر الفانون.. فإلى متى يمكن الاستمرار بدعوة الصمت هذه على مايجري
تنسد الآفاق أمام الضحية فتبحث عن أساليب مقاومة… أليس هذا من حقها؟
أليس من حقها أن تبحث عن الممكن والمتاح للدفاع ضد الانتهاكات؟
فأي موقف سنتخذ من ردها هذا..؟
قلائل من يتبرعوا بالجواب خوفاً على مواقفهم المبدأية الرافضة للعنف في وجه العنف
وكثر من يرفضوا ذلك دون أن يأتوا بحل آخر.. أو يضغطوا من أجل الحل الآخر.. والحل الآخر أن يزداد عددنا ونكسب المزيد من التأييد لثورتنا. لا ليس التعاطف معها، بل اتخاذ الموقف والعمل من أجل تحقيقه
نقول أن شعوب العالم لن تتعاطف مع ثورة مسلحة!! ولكنها ستبقى تتعاطف معنا حتى لو فنينا جميعاً في سلميتنا
طيب مالذي قدمه لي التعاطف لحد الآن؟ المساعدات؟ نعم.. التقبل للثورة؟ .. نعم. فضح الجلاد.. نعم
وبعد؟
هل ضغطت هذه الشعوب المتعاطفة على حكوماتها من أجل نصرتنا؟ وهل اتخذت مواقف جديرة بتغيير الدفة لصالحنا؟
هناك مايجب القيام به من الجميع ، ومن السوريين خصوصاً، إذا كانوا يرغبون ببقاء الثورة نقية وطاهرة، وبصراحة لا من ثورة نقية وطاهرة … هذه طوباوية نحلم بها، ولكنها غير قابلة للاستمرار مع هكذا نوع من الأنظمة
فمن يدعوا لاستمرار السلمية ليقم بتجريب وسائل جديدة للضغط على الحكومات والمصالح في الغرب، من أجل اتخاذ مواقف جذرية من نظام القمع السوري، وليس الاكتفاء بإعطاء النصائح
السوريون اليوم على استعداد ليس لإسقاط النظام، وهذا أصبح مؤكداً، ولكن لإسقاط كل من يتخذ مواقف متخاذلة معه، أو مواقف لا تقرأ الواقع ومايجري فيه بكل جدية ويتخذ مواقف لحلحلة مالم يتم حلحلته لحد الآن
وأخيراً أصبح للعصابات المسلحة ما يشبه الاسم
فقد أتحفنا النظام منذ بداية الثورة بإعلامه والقائمين عليه، بتغطية ممتازة لما يقوم به من تنكيل وقتل، وألصقها بما يسمى العصابات المسلحة، تلك الأشباح التي تطلق النار على المتظاهرين أساساً وعلى الجيش والأمن والقوى المستخدمة في القمع تالياً
لم يكن يملك اسماً لها، ولا من يقف وراءها، ولا من يدعمها، أو يمولها، هي « العصابات المسلحة » ونقطة على السطر
يبدو إعلامه اليوم سعيداً بعد أن تواترت عمليات الجيش السوري الحر، أو عمليات انتقام فردية لجماعات أخرى لا نعرفها بعد أو لم تعطي لنفسها اسماً، فأصبح هذا الإعلام يطبل ويزمر بحقيقة وجود هذه العصابات المسلحة، ولكنه كان كالراعي الكذاب، فقد كذب وكذب وألقى من التهم، ما جعل الجميع لا يصدقه اليوم وهو يقول: « نعم عن جد هذه المرة يوجد عصابات مسلحة »
الجميع يهز برأسه ويبتسم للكاذب الكبير، الذي « حفيا » بحثاً عن اسم لهذه « العصابات المسلحة »، فهو من اخترعها، وهو اليوم من يدفع ثمن وجودها، إن وجِدَت
يبقى السؤال معلقا على ضمائر الجميع: إن كنتم ترفضون أن يدافع السوريين عن أنفسهم، فما هو الحل؟ وماذا قدمتم لهذا الحل؟ وكيف يمكن تطبيقه واقعاً وأفعالاً؟
ولا تقولي لي أنكم ستدعون لمؤتمر لمناقشة الحلول المطروحة، فلقد اكتفينا من الأحلام وأصبحنا بحاجة للوقائع
إذا نجحتم بإيجاد حلٍ للحفاظ على السلمية، وعدم الولوج في مجاهيل عسكرة الثورة
سنهديكم اعتصاماً لم ترو مثله ولن تروا
– الأسبوع 6 – تشرين الثاني 2011
مثقفون أحرار لسورية حرة