سلام كواكبي – السياسة الخارجية الأوروبية والموت السوري
صدر حديثاً تصريحٌ مقتضب لقسم العلاقات الخارجية للاتحاد الأوروبي عن المسألة السورية، وحمل عنواناً يُشير إلى أنه موقف الناطق الرسمي لهذه الادارة « الهامة » في مركز القرار الأوروبي حول مباحثات جنيف التي كانت تجري نظرياً بين وفد الحكومة السورية ووفد المعارضة السورية. أما عملياً فهي لم تكن تجري، ولا حتى تسير، إلا بين كلا الوفدين منفصلين من جهة والمبعوث الأممي السيد دي مستورا، من جهة أخرى، وهو الذي أصبح أشهر من نارٍ على علم. وبذلك، فقد حقق مبتغاه الأول والأخير من مهمته « الإنسانية »
ظننت، وإن بعض الظن إثم، أن التصريح الأوروبي الرسمي سيحمل في طياته بعضاً من تسجيل موقف، ولا أجرؤ أن أتحدث عن إدانة، إزاء ما جرى خلال الأسابيع والأيام الماضية من اختراقات عدة من قبل الجانب الحكومي معزّزاً بحلفائه، للهدنة المقررة دولياً، إضافة إلى عدم التزام حكومي بخصوص إيصال المساعدات الإنسانية والإفراج عن المعتقلين. أو أن يُندّد الاتحاد الأوروبي، حتى ولو بكلمات دبلوماسية هرمة، بالمجازر التي وقعت خلال الأيام الماضية في كفرنبل ومعرة النعمان، والتي أوقعت أكثر من ستين ضحية مدنية تناثرت أشلاؤهم فوق عربات الخضار والفواكه في الأسواق الشعبية، كما سراييفو في تسعينات القرن الماضي. ولقد تابعت ظني الآثم على ما يبدو، وانتظرت موقفاً واضحاً من القصف التدميري لمدينة حلب عشية وصول هذا البيان / المعجزة من قبل الناطق الرسمي
هل استمرار الحصار هو تقدم! وعدم الإفراج عن المعتقلين هو تقدم! والقصف المسجل صوتاً وصورة، والذي دفع بمنظمة العفو الدولية لاختراق تقاليدها ونشر مقطع مصور لرمي البراميل « الذكية »، هو وهمٌ ومؤامرة ؟
بدأ النص بمقدمة تقليدية تُسجّل خروجاً أولياً عن الواقع بحديثها عن مباحثات تجري بين « أطرافٍ النزاع السوري »وهي كما ذكرنا ليست كذلك، على الأقل في مراحلها المنصرمة حتى الآن. كما أنها تُشدّد على ثقتها الكاملة في مبعوث الأمم المتحدة الخاص، والخاص جدا، السيد ستافان دي مستورا، في قيادته لهذا المسار
وفي سعيها لنجاح هذا المسار، والذي يُجمع المراقبون المستقلون، وبالتالي غير المحنطين، على أنه لم يبدأ بعد، تطلب إدارة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي من الطرفين احترام اتفاق وقف الأعمال العدائية والسماح للمساعدات الإنسانية بالوصول إلى السكان المدنيين القابعين تحت الحصار أو في أماكن تشهد مواجهات مسلحة. كلامٌ جميل لا غبار عليه مبدئياً ويمكن له أن يكون عمومياً في الحديث عند أي نزاع بين جهات متحاربة متوازنة القوة نسبياً في أربعة أصقاع الأرض. أما في الحالة السورية، فلا يخفى على موظفي هذه الإدارة العتيدة بأن ما يجري مختلف قليلاً، بل وأكثر، عما تعلموه في صفوف « حل النزاعات، السياسي منها أو العنفي
وإمعاناً في الخروج عن الموضوع حتى لا نتحدث عن العبثية في الخطاب، يزيد التصريح القول بأن ما تحقق خلال الأسابيع المنصرمة من تقدم هو مهم. ويود اللئيم أن يسأل أصحاب الياقات البيضاء في بروكسل وصفاً واضحاً لهذا التقدم بالتفصيل. فهل استمرار الحصار هو تقدم! وهل عدم الافراج عن المعتقلين هو تقدم! بل وهل القصف المسجل صوتاً وصورة، والذي دفع بمنظمة العفو الدولية لاختراق تقاليدها ونشر مقطع مصور لرمي البراميل « الذكية »، هو وهمٌ ومؤامرة ؟! هل ضحايا الأيام الأخيرة هم تفاصيل لا يتوجب الوقوف عندها أم أن تدمير ما تبقى من كبريات المدن، كحلب، هو على هامش « التقدم المهم » في مسار العملية التفاوضية ؟!
كلا طبعاً، فالناطق الرسمي الأوروبي يتوقف عند بعض الانتهاكات لوقف الأعمال العدائية، ولكنه يُشير، وبحيادية سمجة، إلى أنها نتيجة أفعال الطرفين، وحتى يكون دقيقاً في سماجته، فهو يُحدّد قائلاً « إنها من هذا الطرف أو ذاك ». وبالتالي، إن لم يقم الطرفان بخطوة إلى الوراء، كما يورد البيان، فإنهما يسيران بالمسار إلى نهايته الوخيمة. داعياً بالطبع إلى ممارسة كل الضغوط على الطرفين لعدم الانجرار وراء التصعيد الذي لن يفضي إلا إلى المزيد من العنف وفقدان الأمل بسلامٍ قريبٍ
لا ينسى البيان في عُجالته اللزجة أن يُشير بسلبية نظرته إلى تعليق وفد المعارضة لمشاركته، ولا يصل به الأمر لتبني تصريح المبعوث الدولي غير المحايد عندما وصف هذا التعليق بالاستعراضي، ولكنه يتمنى على الأطراف، وهو يعني حصراً المعارضة، الاستمرار في التفاوض ـ من أجل التفاوض ـ كما تمنى ذلك دائماً الأوروبيون، في ظل غياب موقف سياسي واضح، من الفلسطينيين الاستمرار في التفاوض بدءاً من اتفاقيات اوسلو وحتى نهاية آخر سيادة على آخر قرية فلسطينية في مستقبلٍ ليس ببعيد
في النهاية، لا ينسى البيان أن يؤكّد دور الاتحاد الأوروبي في كل هذه المعمعة والذي لا يتجاوز حدود منظمة غير حكومية تُعنى بالشأن الإنساني، مُشدّداً على استمرار قيامه بتأمين المساعدات الإنسانية والوقوف استعداداً ـ وكأننا في فرقة كشاف ـ لدعم أي مسار سياسي بكل الوسائل الممكنة
غابت، وبشكل مفجع، أية إشارة واضحة لمسؤولية، ولو نسبية وموزّعة، لهذا الطرف أو ذاك عن تجميد المسار التفاوضي. موقفٌ لا يجب أن يُفاجئ من يتابع الموقف الخارجي الأوروبي لمكتب تنسيق إداري يؤالف بين سياسات متناقضة في الشأن الخارجي لـ 28 دولة