سوريا تحت الوصاية الدولية – فواز طرابلسي
النظام الذي يهدد مع كل طلعة صبح انه يرفض التدخل في شؤونه الداخلية أتم دورة كاملة زج فيها كل قوى الارض في شؤونه الداخلية الى ان وصل الى قمّتها: التدويل الاممي
لم يبحث النظام السوري مرة عن حل داخلي، لأنه لم يعترف مرة بوجود ازمة داخلية
«أقلَمَ» النزاع منذ البداية باستدعاء الجار التركي. لوّح له بالمُضمَر: تركيا الجارة، النيوعثمانية، بقيادة حزب العدالة والتنمية، أجدر مَن يلعب دور الوسيط في الأزمة السورية. وعدت دمشق أنقرة بأدوار ووساطات وتنازلات. عُرضت مقاعد على الاخوان المسلمين قبل ان تُعرض على المعارضات المدنية. ولن نتحدث عن «الاقلمة» الاستراتيجية مع ايران حتى لا يأخذنا السَجعُ الى حيث لا نريد
ثم «عرّبت» دمشق الازمة عن طريق دوحة الغاز، التي ما لبثت ان زجت الجامعة العربية في «الشؤون الداخلية» السورية. لكن دمشق استبقت من المبادرة العربية المتكاملة استقبال مراقبين عرب، وقد تضمنت، فيما تضمنت، سحب القوات المسلحة من المدن ووقف اطلاق النار والحوار مع المعارضة. إستغلت دمشق الاعلان عن قبول المبادرة العربية ومن ثم القبول بالمراقبين العرب لشن الحملة الاولى ثم الثانية لاقتحام حمص، باسم «الحسم». فإذا «الحسم» يفشل في حمص ودرعا وسواهما ويستولد جبهة جديدة في الزبداني، بجوار دمشق، انضمت الى المدن والبلدات والقرى والمواقع العصية والمحاصرة
والى هذا كله، «رَوسنتْ» دمشق الازمة باكراً. وقد طرحت موسكو الحوارَ على اراضيها بين الحكومة والمعارضة، فأفشلته دمشق بينما كانت المعارضة تضع شروطها عليه. ثم انتقلت القيادة الروسية الى تشكيل صيغ لحكومات سورية، باقتراحات لرؤساء لها واعضاء جرى تسريب اسمائهم. هذا كله والنظام يرفض اي تدخل «في شؤونه الداخلية» من اي طرف كان. ومنذ بداية الازمة ودمشق تفاوض الادارة الاميركية فوق الطاولة وتحت الطاولة
ما الجديد وقد دخل تدويل الازمة الطور «الأممي» مع نقل الملف الى الامم المتحدة؟
ترافق بحث القضية السورية في مجلس الامن، والفيتو الروسي – الصيني، مع ارتفاع منسوب القتل ليطاول المئات من السوريين خلال ايام متواصلة من القصف المدفعي على حمص والزبداني ودرعا، حتى لا نتحدث عن المدن والبلدات والمواقع المحاصرة والمستهدفة الأخرى. كان بان كي مون يرفع عقيرته بالاحتجاج على ما يسمّى في لغة النفاق الدولي «الاستخدام المفرط للقوة» حين يتجاوز عدد القتلى العشرين او الثلاثين في سوريا. هذا هو صمت الامين العام هو اول بشائر التدويل الاممي
مهما يكن، لا يزال الوجه الغالب على الثورة هو الاحتجاج الجماهيري السلمي في أكثر من ٥٠٠ موقع على امتداد جغرافية البلد المدمّى. ولا يزال الوجه الغالب على العمليات العسكرية للنظام هو العمليات العسكرية الموجهة ضد مدنيين
واذا كانت زيارة السيد لافروف تشكل مطلع هذا التدويل الأممي، فأقلّ ما يُقال فيها إن وزير الخارجية الروسي سمع وأسمعنا وعداً بوقف اعمال العنف، وقد حصد «الحل الأمني» تسعين قتيلاً عشية وصول وزير الخارجية الروسي الى دمشق. واضاف خبراً مبهراً لا يبدو ان احدا قال له إنه معروف منذ الخطاب الاخير للرئيس الاسد، المقصود صدور قرار رئاسي قريب بإجراء استفتاء مبكر على الدستور الجديد!
هذه مطالع وضع النظام وسوريا تحت الوصاية الدولية. فلعل الذين اطلقوا الرصاص في انحاء من لبنان ابتهاجاً بالفيتو الروسي – الصيني، والذين هتفوا للافروف والمسؤول المخابراتي الى جانبه، لم يأبهوا كثيراً الى أن روسيا في ظل المخابرات والمافيات والتعصّب القومي، ليست روسيا القوة العظمى في زمن الحرب الباردة
فلا مبالغة في القول إن «التدويل الاممي» يقذف بسوريا، وليس فقط نظامها، في بازار من المساومات والتسويات تدور مدار الدرع الصاروخي الأطلسي، والمنافسة بين منتجي الغاز والبترول، وتقرير مستقبل العلاقات بين تركيا وايران، والنووي الايراني، وأخيراً وليس آخراً، بحث روسيا عن دور جديد لها في المنطقة والعالم على افتراض انحدار الهيمنة الاميركية الوحيدة الجانب. بالتأكيد، سلبت روسيا من قطر دور الوسيط في حل النزاع السوري وإن سعت الى شبك مبادراتها مع مشروع الجامعة العربية. ولكن تبنّيها لرواية النظام السوري عن الأزمة – ومساواتها بين عنف المجموعات المسلحة وعنف النظام بل ان تركيزها على الاول دون الثاني – أفسد دورها فوراً كوسيط نزيه
اما في الطرف الآخر من المعادلة، فلا تزال الولايات المتحدة، ومعها اوروبا، تنظر في الازمة السورية انطلاقاً من منظار رئيس: من يحفظ امن الحدود الشمالية لدولة اسرائيل؟ وكيف؟ ومن يستطيع «المونة» على «حزب الله» وسلاحه؟ وليس من نافل القول ان الولايات المتحدة ألمحت خلال الازمة السورية الى فكرة نقل السلطة للجيش، على حد تصريحات لهيلاري كلينتون، ولا هو مستغرب ان تطرح الآن مطلب تنحي الرئيس الاسد اسوة بالصيغة الاميركية التي تكاد لا تتبدل في وجه الثورات في المنطقة وآخرها المبادرة الخليجية في اليمن. بعبارات اخرى: إنقاذ الانظمة القائمة حيث امكنت التضحية برأس النظام عن طريق نقل الصلاحيات من الرئيس الى نائبه، وقيام حكومات انتقالية، واستصدار قوانين عفو عن الرؤساء لارتكاباتهم القتل والقمع والفساد، واعتماد التعددية السياسية من دون المساس بصلاحيات السلطات التنفيذية التي تتكئ على دور محوري للجيش في الحكم
يمكن القول بأن التدويل الاممي مدار التفاوض بين المشروع الروسي الساعي لإنقاذ النظام ورئيسه وبين هذه الصيغة الاميركية – الاوروبية. والمشترك بينهما هو اخراج الجماهير من الشوارع. اي اخراج الثورة من دائرة الفعل والتأثير
تستطيع القوى الكبرى ان تحوك تسوية فوقية، ولكنها لن تستطيع وقف العملية الجذرية لتغيير النظام في سوريا. ليس فقط لعجزه عن فهم النظام أزمته وتصوّر إمكان الترقيع او حتى التغيير من داخله، وانما ايضا لرفضه الاعتراف بأن مطالب ذلك القسط من شعبه في الشوارع والساحات يؤشر الى ما يمكن ان تكونه سوريا الجديدة، سوريا الشباب، اي سوريا الاستقلال والديموقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية
الى هذه الاعتبارات وسواها يضاف اعتبار اخلاقي: كيف يمكن لنظام ارتكب ما ارتكبه في حق شعبه ان يواجه شعبه بعد الآن
كلمتان لا تحتملان التأجيل برسم المشغول بالهم من البديل الاسلامي الاصولي والسلفي
الكلمة الاولى ان العلمانية الوحيدة التي تستحق الحديث عنها هي الفرع من الاصل الديموقراطي. لا العلمانية الاستبدادية الشمولية، في منوعاتها الفاشية او السوفياتية، ولا بالتأكيد العلمانية التي هي تقنيع للتحكم الاقلوي اينما كان. فعندما تتعارض العلمانية مع الديموقراطية، فإن العلمانية هي التي تخسر في نهاية المطاف. او تصير مجرد حواضن لتفقيس شتى انواع الاصوليات والتكفيريات والسلفيات
والكلمة الثانية ان كل قذيفة مدفعية ترمى على أحياء حمص او درعا او الزبداني او جبل الزيتون او دير الزور او اي موقع سوري، قد تقتل مواطناً او مواطنة، لكنها تستولد عشرة سلفيين تكفيريين وإرهابيين (بلا مزدوجين)
السفير – ٨/٢/٢٠١٢
http://www.assafir.com/Article.aspx?EditionId=2071&ChannelId=49269&ArticleId=863&Author=فواز+طرابلسي